لو أنزلنا هذا القرآن على جبل
قال تعالى: (لَـوْ أَنزَلْنَا هذَا الْقُرْآنَ عَلَـى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللـّهِ) الحشر / 21.
يضرب الله سبحانه المثل بأنه لو أنزل القرآن العظيم على جبل أصمٌ جامدٌ صخريٌ ضخم...لرأيته خاشعاً متصدعاً متفتتاً منهاراً مندكاً في الأرض من خشية مفاهيم القرآن..
الجبل الذي قدّر له أن يفهم قيمة القرآن، تراه ينهار أمام عظمته وقدسيته، بينما ترى الإنسان الجاهل بمفاهيم القرآن وقيمته وعظمته، يجعله خلفه!! أفلا يكون الجبل أفضل من الإنسان الحي العاقل في هذه الحالة؟!فالجبل الذي أعطى القرآن حقه لأنه يسبّح بحمد الله سبحانه كما في قوله تعالى:
(تُسَبّحُ لَهُ السّماوَاتُ السّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنّ وَإِن مِن شَيْءٍ إِلّا يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِن لّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) الإسراء / 44.
لقد أنزل الله تعالى القرآن من أجل الإنسان، ولكن من الناس من يتعامل تعامل المعرض عن القرآن، فيجعله خلفه، ويضعه على هامش حياته العملية.
ألا يساهم هؤلاء ـ والحالة هذه ـ في ظلم القرآن؟ القرآن الجديد المتجدد في كل زمان ومكان، وهو حجة على كل إنسان، وفيه تبيان لكل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
فهل هذا الإسلام الذي نفهمه من خلال القرآن الكريم، ونحلم به ونتطلّع إليه، ونسعى إلى أن نقدّمه إلى البشريّة جمعاء، باعتباره سفينة النّجاة، والضامن لسعادة الإنسان في الدارين.
إنّ كلّ مسلم يحلم أن يرى أمام ناظريه صورة مختلفة عمّا يراه كل يوم من مشاهدَ تهزّ الضمير الإنساني، وأن يسمع كلاماً غير ما يسمعه صبحاً وعشيّاً من كلمات تضجّ بالحقد والكراهية، وأن يجد أمامه صورة ماثلة تحمل نبض الإسلام الأصيل ونفحات النبيّ الكريم، بعيداً عن لغة الخطابات والشّعارات الفارغة التي تبتعد عن الواقع وتحاذر أن تضع الإصبع على الجرح، هذا الجرح الذي سيظلّ نازفاً بل ويتعمّق النزف والخطر فيه إن لم نجد له الأطباء الأَكْفَاء، وهم العلماء المصلحون الذين يقفون بكلّ جرأة وحزم ليقولوا كلمة الحقّ دون أن تأخذهم في الله لومة لائم.
ولكن هل يكفي هذا؟
لا أعتقد ذلك، فالكلمات والخطابات على أهمّيتها وضرورتها ليست كافية
لحلّ مشاكلنا والتخفيف من معاناتنا، لأنّ المشكلة في جوهرها ليست مشكلة
بيانيّة وإنّما هي مشكلة الإنسان وظميره، ولذا فنحن أحوج ما نكون إلى التعرّف قبل كلّ شيء إلى مكمن الداء والمرض، ليتسنى لنا بعد ذلك تقديم العلاج، فلنطرح الأسئلة الجريئة بكلّ صراحة وشفافية:
ما هو سرّ مشكلاتنا؟ وهل هي دينية؟ أم اجتماعيّة أم سياسيّة؟
وهل صحيح أنّ الإسلام نفسه هو سرّ تخلّفنا وسبب تخبّطنا وتناحرنا؟
ليس خافياً أنّ البعض أخذ يقولها تصريحاً أو تلميحاً: إنّ مشكلتنا في الدين
نفسه وفي نصوصه المتمثل بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، وإنّ علينا الانعتاق من هذا الدين إذا أردنا أن نحيا بسلام!
ولكنّنا نعتقد جازمين أنّ المشكلة لا تكمن في الدين نفسه ولا في نصوصه، فالنص على سبيل المثال المسيحي ليس بأفضل ولا أحسن حالاً من النصّ الإسلاميّ، ومع ذلك لم يشكّل عائقاً أمام حركة التغيير والتطوّر التي شهدها الغرب على أكثر من صعيد .
إنّ المشكلة هي في الإنسان المسلم الذي عجز عملياً عن فهم النص القرآني ولكنه فهمه نظريا فقط دون تطبيق وبالرغم من رفع شعار (حسبنا كتاب الله)عن تقديم نموذج إسلاميّ قرآني يُحتذى به، ونموذج قابل للحياة وقادر على مواكبة العصر، لكنه قدم لنا نموذجا ً بعيداً عن روح القرآن ومضامينه......
نفعنا الله بالقرآن، وجعله ربيع قلوبنا، وأُنس نفوسنا.. وجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
وكالة ق للأنباء القرآنية العالمية