الحج الإبراهيمي في القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
«وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ»
قد جرى الحديث مراراً عن الحج الإبراهيمي في الخطب التي تلقى والمقابلات التي تجري بخصوص الحج، ولكن قلما وضع تحديد دقيق لهذا الحج وأجيب على السؤال التالي:
ما هو الحج الإبراهيمي؟
وما اختلافه عن الحج غير الإبراهيمي؟
إذا أن يكون هذا موضوع المهم محور حديثنا في ندوة الحج هذه التي تعقد في جوار مزار إمامنا العزيز فكل ما لدى الشعب وكل ما حققته له الثورة الإسلامية هو من بركات هذا الوجود الطاهر.
و بالطبع فإنني لا اعتقد باًن هذا البحث الواسع، أن يتسع في هذه الكلمة، لكنني أرجو ن أتحد عنه بشكل مستفيض في مناسبات أخري .
ما هو الحج الإبراهيمي؟
الحج الإبراهيمي، هو الحج الذي شرعه الله تبارك وتعالي وأمر بان يؤذن به إبراهيم الخليل (عليه السلام ) وأذن في الناس بالحج ..
وقد جد رسول الله (صلي الله واله وسلم ) في عصره روح الحياة في هذا الحج غير انه لم تم مدة قصيرة على وفاته (صل لله عليه واله وسلم )حتى طواه النسيان- وللأسف – ولم يسطع مسلمو الصدر الأول أن يواصلوه في المجمع الإسلامي حتى جدده بعد مضي أربعة عشر قرنا في مجتمعنا الإيراني رجل من السلالة الطيبة لإبراهيم (عليه السلام ) ومحمد (صلي الله عليه وأل وسلم )و إننا نسال الله تعالى أن يوفقنا لأداء،الحج بشكل الذي رسم لنا معالمه لإمام العزيز.
عبر الإمام عن الحج الحقيقي بالحج الإبراهيمي تأوه وبالحج الإبراهيمي – المحمدي تأوه أخرى، في مقابل الحج غير إبراهيمي.
وانسب ما يمكن أن نصف به هذا النوع الثاني من الحج في هذه البرهة من تاريخ الإسلام هو الحج الأمريكي ذلك أن أنصار الإسلام الأمريكي هم الذين يحثون عليه، لا يتضمن إلا شكلا ظاهريا للمناسك دون أن ينطوي على محتوي مفيد بل انه يضر الإسلام والمجتمع الإسلامي لانه يوجه في خدمة أهداف أعداء الإسلام وأعداء الحج الإبراهيمي .
يعتقد الأمام الراحل إن الحج الإبراهيمي يختلف جذريا عن الحج لأمريكي من لناحية الفلسفية ومن ناحية الحجج والقائمين على أمور الحج أيضا.
فما هي فلسفة الحج عند الإمام؟ وماذا يجب أن يكون عليه محتوي الحج؟ وكيف يحب أن يكون عليه تفكير القائمين على شؤون لحج وسلوكهم العمل؟ وكيف يحب أن يعمل الحج بصورة الحقيقية الإبراهيمية؟
استخلصت روية الإمام في هذه المواضيع من نداءاته وخطبه وبياناته التي كان يصدرها في هذه المناسبة سأبينها لحضراتكم وأوصي جميع الحجاج ولاسيما الإخوة علماء الدين بمطالعة نداءات الإمام وبياناته بها الخصوص والتي طبعت في مجلدين.
فلسفة الحج الأمريكي.
تتلخص فلسفة الحج الأمريكي في كونه سفراً ترفيهية سياحية ليس إلا، وعلى حد تعبير الإمام فإن الحج الأمريكي لا يخرج عن كونه سفراً ترفيهيا لمشاهدة القبلة والمدينة وتكرار سلسلة من الألفاظ المفرغة من معنى، وأداء سلسلة من الحركات الخالية من المضمون ولا يعلم، يطوف حول الكعبة ولم يسعى بين الصفا والمروة ؟ لا يعي لم يحرم؟
وما هي فلسفة رمي الجمرات وتقديم الأضحية؟
وليست هناك علاقة بين الحج الأمريكي وبين البحث عن جواب للأسئلة «كيف يمكن الوقوف بوجه العالم الرأسمالي؟
ولا علاقة – في منظار الحج الأمريكي – بين كيفية استيفاء مسلمي العالم ومحرومين وسحبها من الظالمين والقراصنة.
ولا علاقة بين الحج وبين وجوب أن يطرح المسلمون في العالم كقوة عظيمة.
ولا علاقة بين الحج وبين وطريقه تعامل المسلمين مع الأنظمة العملية.
هذا هو تفسير الإمام للحج الأمريكي.
كما انه لا علاقة بين الحج الأمريكي وبين أن ’تابع الحاج معانا المسلمين الفلسطينيين على بد الكيان الغاصب للقدس.
ولا علاقة بين الحج الأمريكي وبين أهم قضية يشهدها العالم الإسلامي حاضرا في التحركات المشبوهة لقاده الدول الإسلامية الرامية إلي إقامة العلاقات مع الكيان المحتل للقدس وتسويغ ما تسمي بمؤتمرات السلام.
حيث يتعرض المسلمون الفلسطينيون واللبنانيون هذه الأيام لأشد الضغوط.
وأيضاً لا علاقة بين الحج وبين ما يعانيه المسلمون والمحرومون في أفريقيا وأفغانستان… هذا هو الحج الأمريكي.
فلسفة الحج الإبراهيمي:
بين الإمام العزيز فلسفة الحج الإبراهيمي بشكل جميل جذاب، وهذه مقتبسات من عبارات هذا الرجل الجليل في تبيين فلسفة الحج الإبراهيمي: فالحج من وجهه نظر الإمام «تجل وتكرار لجميع مشاهد إبداع الحب في حياة الإنسان والمجتمع المتكامل في الدنيا» وهذا أجمع جملة وأفضل تعبير، يمكن أن نوضح فيه فلسفة الحج الإبراهيمي ذلك أن الحج هو تجل لكل مشهد من مشاهد هذا الإبداع، تجل للجهاد والإيثار والتضحية والشجاعة والشهامة والوحدة والذكر والارتباط بالله ولقاء الله و…
الهدف من الحج بنظر الإمام هو اقتراب الإنسان من صاحب البيت والاتصال به، وليس الحج مجرد حركات وأعمال وألفاظ … وليس مجرد النظر إلي بعض الأحجار ومشاهدة البيت. دققوا في عبارات الإمام حينما يقول: «إن فلسلفة الحج هي رؤية صاحب البيت ولابد من أن توجه الحركات والأعمال التي تؤدي هناك في هذا السبيل».
إن مناسك الحج هي مناسك الحياة، وعلى الأمة والإسلامية بمختلف قومياتها أن تصبح إبراهيمية لتلتحق بركت أمة محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وتكون واحدة ويدا واحدة».
فالحج تنظيم وتمرين وتبلور للحياة التوحيدية».
يري الإمام أن «الحج يمثل مركز المعارف الإلهية الذي ينبغي أن يؤخذ منه محتوي السياسية الإسلامية في جميع الأبعاد الحياتية». لهذا يمكن أن تستخرج سياسة الإسلام بجميع أبعادها من الحج كما يقول الإمام، وقائد الثورة العزيز الذي يواصل بحق نهج الإمام قولا مماثلاً في حكمه، إذ يقول: «إن فريضة حج بيت الله هي من جملة الفرائض النادرة التي أدرجت فيها أبعاد متعددة ومتنوعة ترتبط بالحياة الفردية والسلوك الجمعي بشكل عظيم وذات تأثير عميق في الجسم والنفس والفكر وفي السلوك الآدمي، وتهيئ لأداها بالشكل الصحيح، توفيقات كبيرة في جميع الميادين المادية والمعنوية».
ومن مهمات فلسفة الحج أيضا في رؤى الإمام بعده السياسي، حيث يقول: «البعد السياسي للحج لا يقل أهميته عن بعده العبادي، ففي العبد السياسي عبادة فضلاً عن الجانب السياسي».
إن من فلسفة الحج أن يلبي صرخات ظلامات المنطلقة من فلسطين وأفريقيا وأفغانستان، بل يستجيب لكل المظلومين والمستضعفين في العالم، لأن الحج: «قيام»:« جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس…»
فـ «البيت الذي أسس للقيام وهذا القيام للناس لا بد من الاجتماع فيه لهذا لهدف الكبير، وتعيين منافع الناس في تلك المواقف الشريفة» هذا هو تقييم الإمام ونظرته إلي الحج، وليست منافع الناس أن يذهبوا هناك ويجلبوا البضائع، ويبتاعوا السلع الأمريكية التي حرمها الإمام، وفي توضيحه للآية الكريمة: «ليشهدوا منافع لهم» التي يبين فيها القرآن فلسفة الحج، يقول الإمام:
«أي نفع أعلى وأسمى من أن تقطع أيدي جبابرة العالم والجائرين من التسلط على البلدان المظلومة، وتصبح ثرواتها العظيمة بأيدي أبنائها».
أجل، هذا هو النفع الأكبر وعلى حجاج بيت الله أن يأخذوا العبر من هذه الآية في معرفة فلسفة الحج.
و يقول الإمام عن الآية: «وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ»: ليس المقصود التطهير من النجاسات الظاهرية وحسب، فبيت الله يجب أن يطهر ليس فقط من النجاسات الظاهرية، وإنما من الأرجاس المعنوية أيضا التي يفوق ضررها وخطرها على المجتمع ضرر وخطر أي شيء آخر. الحج الإبراهيمي هو ذلك الحج الذي يقام لتطهير بيت الله من النجاسات الظاهرية والباطنية، يقول الإمام: «المراد التطهير من جميع الأرجاس، وعلى رأسها الشرك، الأمر الذي بينه صدر الآية الكريمة»، «وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي…»
و يري الإمام أن من أهداف الحج «إيجاد التفاهم وتعزيز أواصر الوحدة الإسلامية»: «من مهمات فلسفه الحج إيجاد التفاهم، وتعزيز الإخوة بين المسلمين، وعلى العلماء والخطباء طرح المسائل الأساسية والسياسية والاجتماعية مع أخوتهم في الدين وتهيئ مشاريع لحلها، ليطرحوها بدورهم على العلماء وأصحاب الرأي وعودتهم إلي بلدانهم».
أخيرا فإن الحج بنظر الإمام «بمستوى القران يستفيد منه الجميع، لكن المفكرين والخائضين غمراته والمتحسبين للأمة الإسلامية لو خاضوا الحج معارفه ولم يخشوا الاقتراب منه والخوض في أحكامه وسياساته الاجتماعية لاصطادوا من صدف هذا البحر كمية أعظم من جواهر الهداية والرشد والحكمة والانعتاق، وإلى الأبد من زلال حكمته ومعرفته» 14صل الله على روحك وبدنك يا إمام، فهل هناك أجمل واشمل وأدق من هذه العبارات عن فلسفة الحج؟
يضيف الإمام: «ولكن ما العمل؟ والإمام تشكو هذا الغم الكبير؟ فقد أصبح الحج كما القرآن مهجورا».
«ليس حجا هو الحج الخالي من الروح والحركة والقيام والبراءة والوحدة، والحج العاجز عن هدم صروح الكفر والشرك».
أيها الأعزاء يمكنكم أن تزيلوا هذا الغم عن روح الإمام الطاهرة، صحيح أنه رحل عنا، بيد أن رسالته تنقل هنا فردا، فردا.
وقد لخص الإمام الباقر (عليه السلام) جد إمامنا هذا الكلام في عبارة واحده وقال: في تلك الأيام العصيبة التي كلكل فيها ضلل السلطة الجائرة على العالم الإسلامي: «إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم، ويعرضوا علينا نصرهم».
يريد الإمام الباقر (عليه السلام) أن يبين لنا من خلال استعماله لتعبير الأحجار أن الحج المجرد من الفلسفة الإبراهيمية للحج لا يعدو كونه طوافا بالأحجار.
يقول الإمام الخميني: «التكليف الإلهي للحجاج في هذه البرهة الزمنية أن ينكروا كل موضوع يشم منه رائحة الاختلاف والوقيعة بني صفوف المسلمين. ويعتبروا البراءة من الكفار وقادتهم واجبا من واجباتهم في المواقف الكريمة، ليكون حجهم حجا إبراهيميا وحجا محمديا، وإلا سيصدق عليهم القول المعروف: ما أكثر الضجيج واقل الحجيج!»
كان هذا جانبا من روي إمام الأمة وهو يتناول القضايا التي تخص فلسفة الحج وأسس الحج الإبراهيمي، وعلى قاعدة هذه الفلسفة والأسس يختلف محتوي الحج بدوره، كما يختلف الحجاج والقائمون على شؤون الحج.
وقبل أن أختم هذا الحديث، أنظر باختصار إلي محتوي الحج الذي يختلف في الحج الإبراهيمي عن غير الإبراهيمي في كل مناسكه من التلبية إلى الرمي، إذ يري الإمام أن كل أعمال الحج وحركاته وسكناته تنطوي على محتوي حيوي تربوي محرك خاص، وحينما يقول الحاج: «لبيك الهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك…» لا يكون قوله صادقا وحقيقيا إلا حينما يصغي من أعماقه لنداء الحق ويستجيب لدعوه الله تعالى.
فالمسالة هنا مسالة الحضور في المحضر ولا يستطيع أن يقول لبيك إلا من يحس بهذا الحضور، فإنكم وأنتم في غرفة مغلقة الأبواب لا يوجد فيها غيركم لا تقولون «نعم»، إنما تتفوهون بهذه الكلمة حينما يوجد من يناديكم، فتشهدون وتسمعون صوته ودعوته، فالمسالة هي مسألة الحضور في المحضر ومشاهده جمال المحجوب، وكان الملبي في هذا المحضر قد خرج عن حالته الطبيعية وتخلي عن ذاته.
إلهي، هل لنا أن ندرك ولو للحظة واحدة المعني الحقيقي للحج والمعني الحقيقي للإحرام ومفهوم التلبية؟
يصور الإمام العزيز هذه الحالة بشكل يبدو أن الملبي في محضر الله يخرج عن وضعه الطبيعي ويكرر التلبية ثم ينزهه عن الشريك بالمعني، أي: اللهم إني لا أشرك بك مطلقا، وأبرا من كل الطواغيت الكبار والصغار، ولا استجيب إلا لك، كما قال الإمام الصادق عليه السلام في الحديث المروي عنه:
«و أحرم عن كل شيء يمنعك من ذكر الله، ويحجبك عن طاعته. كل ما أشغلك عن الله هو صنمك».
أحرم عن كل ما يبعدك عن محضر الله. ويجعلك غافلا عن ذكره، ويجبك عن طاعته، وحرمه على نفس وحينما تلبي «لب 17 تلبية صادقة، خالصة، ذاكية لله ـ عز وجل ـ في دعوتك متمسكا بالعروة الوثقى». وحينما تتمسك بعروة الولاية الوثقى ـ وهي الوجهة السياسية الأساسية للحج قل «لبيك» بإخلاص وصدق، وقل: اللهم أتيت لأقول لك «لبيك» ولغيرك «لا».
اللهم أفدنا من الحج كما يفهمه أولياؤك وينتفعون منه.
المصدر:دار الولاية للثقافة