الآثارالمعنوية لصلة الرحم
قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[1].
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "صلة الأرحام تحسن الخلق وتسمح الكف وتطيب النفس". لأنه بأداء هذا التكليف يكون مجبورًا على مراعاة حسن السلوك، وبعد التمرين والممارسة يصبح ذا خلق حسن حتى مع الأخرين، وكذلك يصبح صاحب ملكة الجود والسخاء ببركة صلة الرحم، فينجو من مرض البخل المهلك، وتتطهر نفسه من الحسد ويرتاح من بلاء العداوة مع النّاس لأنه يصبح بصلة الرحم محبوب المقربين بل سائر الناس فيأمن شرهم.
وعن الباقرعليه السلام: "صلة الأرحام تزكي الأعمال وتنمي الأموال وتدفع البلوى وتيسر الحساب وتنسي الأجل".
وعن الإمام السجاد عليه السلام: "ما من خطوة أحب إلى الله من خطوتين خطوة يسد بها المؤمن صفًا في الله، وخطوة إلى ذي رحم قاطع".
وقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ في الجنة درجة لا يبلغها إلاّ إمام عادل أو ذو رحم وصول أو ذو عيال صبور". وقال أيضًا صلى الله عليه وآله وسلم: "من مشى إلى ذي قرابة بنفسه وماله ليصل رحمه أعطاه الله تعالى أجر مائة شهيد وله بكل خطوة أربعون ألف حسنة ويمحي عنه أربعون ألف سيئة وترفع له الدرجات مثل ذلك وكأنما عبد الله تعالى مائة سنة". وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "الصدقة بعشر والقرض بثماني عشرة وصلة الأخوان بعشرين وصلة الرحم بأربع وعشرين".
فهذا ماورد في صلة الرحم، ولكن هل سألنا أنفسنا يومًا من الأيام، ما معنى صلة وقطع الرحم؟ لأنه لم يذكر في الشرع معنى خاص للرحم نفهم أن المراد نفس المعنى العرفي الذي هو مطلق الأقارب، بمعنى إرضاء الأب والأم حتى لو كانا بالوسائط وأيضًا عن طريق الأبناء.
سأل عروة بن يزيد الإمام الصادق عليه السلام عن معنى آية: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَل)[2]. فأجاب عليه السلام: "هي قرابتك وهذا يشمل المحرم وغير المَحرم القريب والبعيد".
وقد جرت العادة لدى أهل الدنيا بالتقرب من أقربائهم الأغنياء وعدم الإهتمام بالفقراء منهم حتى ولو كان قرابة قريبة، ولكن لا يوجد في الشرع فرق في حكم صلة الرحم وقطعه بين الأقارب. نعم كلما كانت القرابة أقرب وقلت الواسطة كلما اشتد الحكم. وقد نسب الشهيد الثاني عليه الرحمة هذا المعنى العربي الذي ذكره للرحم لأكثر الفقهاء.
وأمّا بالنسبة لمعنى الصلة، فهو كل عمل يعتبر في العرف تواصلاً، حتى في الأمور الصغيرة كأن يبدأ بالسلام أو يجيب بسلام حسن. وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن صلة الرحم والبر ليهونان الحساب ويعصمان من الذنوب فصلوا أرحامكم وبروا إخوانكم ولو بحسن السلام ورد الجواب". و عنه عليه السلام في حديث آخر: "صل رحمك ولو بشربة من ماء".
مراتب صلة الرحم:
قال الشهيد الثاني عليه الرحمة في بيان مراتب صلة الرحم: أعظم مراتبه الصلة بالنفس، وقد ورد عنها أخبارٌ كثيرة، وبعد ذلك دفع الضرر، أي أن يدفع الضرر الذي يتوجه إلى الرحم ويساعد بعد ذلك على انتفاعه، وبعده الصلة بواجب النفقة الرحمي مثل امرأة الأب وزوجة الأخ، وأقل مراتب الصلة التسليم على الرحم، وأقل منه إيصال السلام عبر واسطة كرسالة مثلاً، والدعاء له مع عدم وجوده، وجاملته في حضرته.
فهذا بالنسبة إلى معنى الصلة مع الرحم، وأما بالنسبة الى معنى القطع للرحم فهو عرفي أيضًا، فكما أن الصلة أمر عرفي، فقطع الرحم عبارة عن كل أمر يفهم منه عرفًا الإنقطاع مثل عدم السلام، أو المجافاة في النظر والمجلس أو عدم الإحترام والأدب، أو عدم إرسال الرسائل في السفر، أو ترك الزيارة في الحضر أو العيادة إذا مرض أو إذا عاد من السفر وأمثال هذه الأمور.
ولا شك في أن الصدق العرفي للقطع والصلة يختلف باختلاف الزمان والمكان ومراتب الأرحام وخصوصياتهم، فيمكن أن يكون عمل ما قطع للرحم بالنسبة للرحم القريب ولكنه لا يكون كذلك بالنسبة للرحم البعيد، أو يمكن أن يكون بالنسبة للرحم الشريف وصاحب المقام قطع للرحم وأن لا يكون كذلك لغيره، طبعًا يجب مراعاة الإحتياط عند الشك حتى لايقع الإنسان في هذا الذنب الكبير قطيعة الرحم.
ومن أسوأ أقسام القطع أن لا يهتم الإنسان بالرحم الفقير وبسبب ما يملكه هذا الإنسان من مال وثروة واعتبار دنيوي، فإنه لا يعتني برحمة المسكين ويصل إلى عدم اعتباره من رحمه فيتكبر عليه أما إذا كان قريبه غنيًا يعتبره من رحمه فيحترمه، وهذا الفعل ليس صلة رحم في الحقيقة بل يكون اعتنى بحال وجيفة الدنيا لا بالشخص الرحمي لكونه من رحِمه لأنه لا يهتم برحمة الفقير.
فالقدر المسلم من وجوب الصلة، هو المقدار الذي لا يصدق معه قطع الرحم عرفًا، إذن كل عمل صدق عليه صلة الرحم فإذا لم يفعله قيل قطع رحمه وجب هذا العمل شرعًا، مثلاً إذا كان لإنسان قريب غني من رحمه وطالبه بمساعدته لرفع حاجته فتضايق الغني منه فيكون قد قطع رحمه، إذن إعطاء المال ودفعه بمقدار يسد حاجته يعتبر صلة رحم ولا شك في وجوبه. وهذا بالنسبة لكل حاجة ضرورية وطلبها من رحمه وكان قادرًا عليها، فإذا لم يفعلها له اعتبر عرفًا قاطعاً للرحم، وهذا القسم من الأعمال واجب عليه.
إلاّ أن يكون رفع حاجته موجبًا للعسر والحرج أو أن تكون حاجته غير مشروعة، أو أنه يقع في المعصية في طريق قضاء حاجته، وهنا لا تجب، مثلاً يعود قريبه من السفر وإذا لم يزره اعتبر عمله عرفًا قطعًا للرحم لكنه إذا أراد زيارته فإنه سيقع في المعصية، هنا لا شكّ في عدم وجوب هذا القسم من الصلة.
ميزان القطع والوصل هو العرف:
إذا شك في أي مورد أن هذا الحجم من الصلة واجب أولا رجع إلى العرف، فإذا اعتبر عدم فعله في العرف قطعًا للرحم وجب عليه، وأحيانًا يعتبر ترك السلام أو ترك الإحسان القليل، أو عدم قضاء الحاجة الصغيرة أو ترك الزيارة في العرف قطعًا للرحم.
وأحيانًا تكون بعض هذه الأمور مع بعض الأرحام وبعض الأماكن ليست قطعًا للرحم، و إذا لم يعلم كونها قطعًا للرحم، كان أداء هذه الصلة المعلوم عدم وجوبها مستحبًا، وإذا لم يكن عدم وجوبها مسلمًا، يجب مراعاة الإحتياط، وعليه أن يقوم بما يجعله متأكدًا من عدم ارتكابه لهذه المعصية الكبيرة.
قطع القاطع حرام أيضًا:
إذا قطع بعض الأشخاص صلة رحمهم مع قريبهم فلا يجوز لهذا القريب أن يعاملهم بالمثل، يعني أن يفعل فعلاً يعتبر معه في العرف قاطعًا لرحمه، وبعبارة أخرى قطع الأرحام حرام مع جميع الأرحام، حتى مع الذين قطعوا أرحامهم، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لاتقطع رحمك وإن قطعك".
جاء عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن لي ابن عم أصله فيقطعني و أصله فيقطعني حتى لقد هممت لقطيعته إياي أن أقطعه أتأذن لي قطعه، قال عليه السلام: إنك إن وصلته وقطعك وصلكما الله وإن قطعته وقطعك قطعكما الله تعالى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تخن من خانك فتكون مثله ولا تقطع رحمك وإن قطعك". و عنه أيضًا: "ألا أدلكم على خير الدنيا والآخرة؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: من وصل من قطعه وأعطى من حرمه وعفا عمن ظلمه".
[1] النساء: من الآية1.
[2] الرعد: من الآية21.
[3] للمراجعة: الذنوب الكبيرة، السيد عبد الحسين دستغيب (قدس)، ج1 ص135، 139 .