فقال الله سبحانه: ﴿وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ﴾. تفسير علي بن إبراهيم و ذلك أن النبي سليمان عليه السلام كان يحب الخيل و يستعرضها فعرضت عليه يوما إلى أن غابت الشمس و فاته صلاة العصر فاغتم من ذلك و دعا الله أن يرد عليه الشمس حتى يصلي العصر فردها عليه إلى وقت العصر فصلاها و أقبل يضرب أعناق الخيل و يسوقها بالسيف حتى قتلها كلها. و هو قوله عز اسمه ﴿رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ﴾ و ذلك أن سليمان عليه السلام لما تزوج بالبائنة ولد له منها ابن و كان يحبه فنزل ملك الموت على سليمان و كان كثير ما ينزل عليه فنظر إلى ابنه نظرا حديدا ففزع سليمان من ذلك و قال لأمه إن ملك الموت نظر إلى ابني نظرة أظنه أمر بقبض روحه. فقال للجن و الشياطين هل لكم أن تفروه من الموت فقال واحد أنا أضعه تحت عين الشمس في المشرق فقال سليمان عليه السلام إن ملك الموت يخرج ما بين المشرق و المغرب فقال واحد منهم أنا أضعه في الأرضين السابعة فقال إن ملك الموت يبلغ فقال آخر أنا أضعه في السحاب و الهواء فرفعه و وضعه في السحاب. فجاء ملك الموت فقبض روحه في السحاب فوقع ميتا على كرسي سليمان فعلم أنه قد أخطأ. فحكى الله ذلك في قوله ﴿وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ...﴾ الآيات. و قال الصادق عليه السلام: جعل الله عز و جل ملك سليمان في خاتمه فكان إذا لبسه حضرته الجن و الإنس و الشياطين و جميع الطير و الوحوش فأطاعوه فيقعد على كرسيه و يبعث الله عز و جل ريحا تحمل الكرسي بجميع ما عليه من الشياطين و الطير و الدواب و الإنس و الخيل فتمر بها في الهواء إلى موضع يريده سليمان و كان يصلي الغداة بالشام و الظهر بفارس و كان يأمر الشياطين أن يحملوا الحجارة من فارس و يبنوها بالشام فلما قتل الخيل سلبه الله ملكه و كان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه إلى بعض من يخدمه فجاء شيطان فخدع خادمه و أخذ منه الخاتم و لبسه فحشرت عليه الشياطين و الجن و الإنس و الطير و الوحوش و خرج سليمان في طلب الخاتم فلم يجده فهرب و مر على ساحل البحر و أنكرت بنو إسرائيل الشياطين الذين تصوروا في صورة سليمان و صاروا إلى أمه فقالوا لها أ تنكرين من سليمان شيئا فقالت كان أبر الناس بي و هو اليوم يعصيني و صاروا إلى جواريه و نسائه و قالوا أ تنكرون من سليمان شيئا قلن لم يكن يأتينا في الحيض و هو يأتينا في الحيض فلما خاف الشيطان أن يفطنوا به ألقى الخاتم في البحر فبعث الله سمكة فالتقمته و هرب الشيطان فبقي بنو إسرائيل يطلبون سليمان أربعين يوما و كان سليمان يمر على ساحل البحر تائبا إلى الله مما كان منه فلما كان بعد أربعين يوما مر بصياد يصيد السمكة فقال له أعينك على أن تعطيني من السمك شيئا قال نعم فأعانه سليمان فلما اصطاد دفع إلى سليمان سمكة فأخذها و شق بطنها فوجد الخاتم في بطنها فلبسه و خرت عليه الشياطين و الجن و الإنس و رجع إلى مكانه و طلب ذلك الشيطان و جنوده فقيدهم و حبس بعضهم في جوف الماء و بعضهم في جوف الصخر بأسامي الله فهم محبوسون معذبون إلى يوم القيامة فلما رجع سليمان إلى ملكه قال لآصف و كان آصف كاتب سليمان و هو الذي كان عنده من علم الكتاب قد عذرت الناس بجهالتهم فكيف أعذرك قال لا تعذرني فلقد عرفت الشيطان الذي أخذ خاتمك و أباه و أمه و خاله و لقد قال لي اكتب لي فقلت له إن العلم لا يجري بالجور فقال اجلس و لا تكتب فكنت أجلس و لا أكتب شيئا و لكن أخبرني عنك صرت تحب الهدهد و هو أخس الطير منتنا و أخبثه ريحا قال إنه يبصر الماء من وراء الصفا الأصم فقال و كيف يبصر الماء من وراء الصفا الأصم و إنما يوارى عنه القمح بكف من التراب يأخذ رقبته فقال سليمان قف يا وقاف فإنه إذا جاء القدر حال دون البصر. أقول: هذه الرواية موافقة للعامة فهي محمولة على التقية. و الصحيح الوارد في الأخبار. عن الصادق عليه السلام: أنها لما عرضت على سليمان عليه السلام الخيل و فاته وقت الصلاة ردت عليه الشمس و شرع يتوضأ و يمسح بساقه و عنقه. يعني يتوضأ للصلاة هو و من معه و إلا فالخيل لا ذنب لها حتى يمسح سوقها و أعناقها
1 _النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.
|