الحج الإبراهيمي الصحيح في القرآن الكريم و عند أهل البيت (عليهم السلام)
الحج عبادة مُتميِّزة وشَعيرةٌ مقدسة ذات أهمية كبرى، وهو من أهم الفرائض الدينية التي فرضها الله عَزَّ وجَلَّ على المسلمين ضمن شروط خاصة.
ونحن المسلمون لا نشكَّ في أن الله عَزَّ وجَلَّ لم يُشَرِّع الحجَّ إلا لحِكمةٍ ومصلحةٍ، وذلك لأنه جَلَّ جَلالُه حكيمٌ عالِمٌ بمصالح العباد، والحكيم لا يصدُر منه إلا ما يكون فيه مصلحةٌ وفائدةٌ.
ونحن أيضاً نؤمن بأن الحج تشريعٌ إلهيٌ لا يخلو تشريعه ـ كغيره من العبادات و التشريعات الإلهية ـ من المصالح والحِكَم والأهداف والفوائد الجمة.
ومن الواضح إن السعي وراء معرفة فلسفة تشريع الحج أو غيره من التشريعات الإلهية عمل حسن وجيد، إلا أنه لو لم نتمكن من معرفة حِكمة التشريع فذلك لا يؤثر على طاعتنا للشريعة الإسلامية مادمنا نؤمن بأنها من جانب الله، وما دمنا نؤمن بصدق الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) الذي جاء بهذا التشريع الإلهي وقام بتبليغه إلينا، فنحن متعبدون بكل الأحكام والتشريعات الإلهية سواءً عرفنا علل تشريعها أم لا، إيماناً منا بحكمة مشرِّعها ومنزِّلها العالِم الحكيم.
ومن حُسن الحظ فإن الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة قد كشفت لنا عن جوانبَ من فلسفة الحج وبيَّنت شطراً من الأهداف والمقاصد المنشودة من تشريع هذه الشريعة المقدسة، لكن ما تمَّ الكشف عنه قد لا يكون إلا جزءً من المصالح والفوائد والحِكَم والأهداف التي من أجلها شُرِّعَ الحج.
فلسفة الحج في القرآن الكريم:
أشار القرآن الكريم إلى أهداف هذا التشريع الإلهي المهم بصورة مُجْمَلَة، قال الله عَزَّ وجَلَّ : { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ... } [سورة الحج: الآية27و28]، وهذه الآية صريحة في إشتمال الحج على منافع للناس، ولا بد أن هذه المنافع والفوائد تُشكِّل جزءً من فلسفة الحج وأهدافه المنشودة.
ولو أردنا إلقاء الضوء على المنافع المتصورة للحج لوجدناها كثيرة ومتنوعة لا تكاد تجتمع في غيرها من العبادات، وهذه المنافع بعضها عبادية وبعضها تربوية، وأخرى اقتصادية وتربوية وسياسية واجتماعية ووحدوية.
فلسفة الحج في الأحاديث الشريفة:
تحدَّثت الأحاديث والروايات الشريفة عن جوانب من المنافع التي أجمل القرآن الكريم في بيانها، كما تحدثت عن فلسفة تشريع الحج، وإليك عدداً من هذه الأحاديث:
1- قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السَّلام) في جملة ما أوصى به وهو يُبيِّن أهمية الحج وأنه رمز بقاء الإسلام: " ... اللَّهَ اللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ فَلَا يَخْلُو مِنْكُمْ مَا بَقِيتُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا [أي أنّ البلاء الإلهي سيشملكم]، وأَدْنَى مَا يَرْجِعُ بِهِ مَنْ أَمَّهُ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ مَا سَلَفَ ..." [نهج البلاغة: 422، طبعة صبحي الصالح، والكافي: 7 / 52 طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية / شمسية، طهران / إيران].
2- وقال (عليه السَّلام) أيضاً مُذكراً أهمية هذه الشعيرة الإلهية المقدسة: "... جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى لِلْإِسْلَامِ عَلَماً ..." [نهج البلاغة : 45 ، طبعة صبحي الصالح].
3- ويقول (عليه السَّلام) في حديث آخر: " فَرَضَ اللَّهُ الْإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ، والصَّلَاةَ تَنْزِيهاً عَنِ الْكِبْر، وَالزَّكَاةَ تَسْبِيباً لِلرِّزْقِ، وَالصِّيَامَ ابْتِلَاءً لِإِخْلَاصِ الْخَلْقِ، وَالْحَجَّ تَقْرِبَةً لِلدِّينِ..."[نهج البلاغة: 512، طبعة صبحي الصالح]، أي أن الحج سببٌ لتقارب الأمة الإسلامية وتماسكها ووحدتها ورَصِّ صفوفها، وقد نُقِلَ هذا الحديث بلفظ آخر هو: "... وَالْحَجَّ تَقْويَةً لِلدِّينِ ..."[راجع شرح نهج البلاغة: 19 / 86، لأبن أبي الحديد]، أي أن الحج منشأ قوة الدين الإسلامي وحيويته.
4- ومما جاء في خطبة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام): " ... فجعل اللّه الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام تثبيتا للإخلاص، والحج تشييداً للدين..."[بحار الأنوار: 29 / 223، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت / لبنان، سنة: 1414 هجرية].
5- ورَوى هِشَامُ بْنِ الْحَكَم قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الإمام جعفر بن محمد الصَّادق (عليه السَّلام) فَقُلْتُ لَهُ: مَا الْعِلَّةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا كَلَّفَ اللَّهُ الْعِبَادَ الْحَجَّ وَالطَّوَافَ بِالْبَيْتِ؟
فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ ـ إِلَى أَنْ قَالَ ـ وَأَمَرَهُمْ بِمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِ الطَّاعَةِ فِي الدِّينِ وَمَصْلَحَتِهِمْ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُمْ، فَجَعَلَ فِيهِ الِاجْتِمَاعَ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ لِيَتَعَارَفُوا، وَلِيَنْزِعَ كُلُّ قَوْمٍ مِنَ التِّجَارَاتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَلِيَنْتَفِعَ بِذَلِكَ الْمُكَارِي وَالْجَمَّالُ، وَلِتُعْرَفَ آثَارُ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَتُعْرَفَ أَخْبَارُهُ وَيُذْكَرَ وَلَا يُنْسَى، وَلَوْ كَانَ كُلُّ قَوْمٍ إِنَّمَا يَتَّكِلُونَ عَلَى بِلَادِهِمْ وَمَا فِيهَا هَلَكُوا وَخَرِبَتِ الْبِلَادُ وَسَقَطَتِ الْجَلَبُ وَالْأَرْبَاحُ وَعَمِيَتِ الْأَخْبَارُ، وَلَمْ تَقِفُوا عَلَى ذَلِكَ، فَذَلِكَ عِلَّةُ الْحَجِّ "[وسائل الشيعة: 11 / 14، للشيخ محمد بن الحسن بن علي المعروف بالحُر العاملي طبعة: مؤسسة آل البيت، سنة: 1409 هجرية، قم / إيران].
6- وَرَوى خَالِدُ الْقَلَانِسِيّ عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنهُ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام): "حُجُّوا وَاعْتَمِرُوا تَصِحَّ أَبْدَانُكُمْ، وَتَتَّسِعْ أَرْزَاقُكُمْ، وَتُكْفَوْنَ مَئُونَاتِ عِيَالِكُمْ، وَقَالَ: الْحَاجُّ مَغْفُورٌ لَهُ وَمَوْجُوبٌ لَهُ الْجَنَّةُ وَمُسْتَأْنَفٌ لَهُ الْعَمَلُ، وَمَحْفُوظٌ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ" [الكافي : 4 / 252].
الحج مؤتمر إسلامي كبير:
الحج ليس عملاً عبادياً فحسب، بل يُعَدُّ من أحد أهم الشعائر الإلهية التي أنعم الله بها على الأمة الإسلامية خاصة دون غيرها من الأمم، وهو بحكم الجهاد بالنسبة إلى الضعفاء من المسلمين، قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): "... وَالْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ ... " [نهج البلاغة: 494، طبعة صبحي الصالح].
والحج مؤتمر إسلامي كبير، ومصدر عظمة الإسلام وإتحاد المسلمين وتقوية شوكتهم، فهو من جانب يُرعب أعداء الإسلام ويفشل خططهم الاستعمارية، ومن جانب آخر فهو يبُثُ في نفوس المسلمين كل عام روح الإيمان والتقوى والجهاد والإلتزام الديني، والوحدة الإسلامية، ويُبصِّرَهم هموم الأمة، كما ويُشعرهم بقوتهم وعزتهم، الأمر الذي يُرعب الأعداء وينغص عيشهم ويربك مخططاته التآمريَّة تجاه الأمة الإسلامية.
وهناك كلمة مشهورة تُنسب لأحد الساسة الأجانب تكشف عن أهمية الجانب السياسي للحج في تقييم الساسة غير المسلمين، حيث يقول: "ويل للمسلمين إذا لم يعرفوا معنى الحج، وويلٌ لأعداءِ الإسلام إذا أدرك المسلمون معنى الحج ! ".
هذا وينبغي على علماء الإسلام المخلصين، والساسة المفكرين، ورجال الأعمال والاقتصاديين، والخبراء وأصحاب القرار في العالم الإسلامي التنسيق فيما بينهم لأجل عقد المؤتمرات المختلفة المختصة خلال موسم الحج لتبادل الأفكار وتلاقيها وبلورتها وصياغتها، والتشاور فيما بينهم في قضايا الأمة الإسلامية بهدف تنمية الرؤى والأفكار الكفيلة بوضع الحلول الناجعة لمعالجة آلام الأمة الإسلامية ومشاكلها المتزايدة، والنهوض بها إلى مستوى قول الله عَزَّ و جَلَّ: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ... } [سورة آل عمران: الآية 110]، وجعل موسم الحج ملتقىً إيمانياً وتربوياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً مباركاً بتوفيق من الله العلي القدير.
جملة من فوائد الحج:
ذكرت الأحاديث الشريفة ‘ن أهل البيت (عليهم السلام) عدداً من الفوائد والثمار التي يجنيها حجاج بيت الله الحرام من الحج، وها نحن نذكر نماذج من هذه الأحاديث لمزيد من الفائدة:
1- رَوَى الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): " الْحَجَّةُ ثَوَابُهَا الْجَنَّةُ وَالْعُمْرَةُ كَفَّارَةٌ لِكُلِّ ذَنْبٍ"[الكافي: 4 / 253].
2- وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الإمام جعفر بن محمد الصَّادق (عليه السَّلام) إِنِّي قَدْ وَطَّنْتُ نَفْسِي عَلَى لُزُومِ الْحَجِّ كُلَّ عَامٍ بِنَفْسِي أَوْ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي بِمَالِي.
فَقَالَ: " وَقَدْ عَزَمْتَ عَلَى ذَلِكَ"؟.
قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: "إِنْ فَعَلْتَ فَأَبْشِرْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ"[الكافي: 4 / 253].
وَقال الإمام الصادق (عليه السلام): "الْحُجَّاجُ يَصْدُرُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ يُعْتَقُ مِنَ النَّارِ، وَصِنْفٌ يَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَهَيْئَةِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَصِنْفٌ يُحْفَظُ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَذَاكَ أَدْنَى مَا يَرْجِعُ بِهِ الْحَاجُّ" [الكافي: 4 / 253].
3- وَعَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام) َيقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): " لَا يُحَالِفُ الْفَقْرُ والْحُمَّى مُدْمِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ " [الكافي : 4 / 254].
كما وينبغي لزعماء المسلمين وعلمائهم ومفكريهم التعاون في مجال وضع الخُطط العَمَلية ـ وفقاً للأساليب العلمية الحديثة ـ التي تُمَكِّن المسلمين من أداء فريضة الحج بيُسر وبأفضل وجه وبأقل تكلفة مادية وفي أجواء إيمانية وروحانية مميزة وبقدرة استيعابية لأكبر قدر ممكن من الحجاج، كل ذلك من أجل الوصول إلى أهداف الحج السامية وتحقيق أمنية الوحدة و لأخوة الإسلامية.
وهذه الرواية التي تروى عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) توضح الجوانب المعنوية من هذه الفريضة التي فرضها الشارع المقدس على المسلمين عند القدرة والاستطاعة، كما وردت في كتاب التحفة السنية (مخطوط)- للسيد عبد الله الجزائري ص 184:
|
ولما رجع مولانا زين العابدين من الحج استقبله الشبلي ، فقال له : حججت يا شبلي ؟ قال : نعم يا بن رسول الله . فقال : أنزلت الميقات وتجردت عن مخيط الثياب ، فاغتسلت ؟ قال : نعم . قال : فحين نزلت الميقات نويت أنك خلعت ثوب المعصية ، ولبست ثوب الطاعة ؟ قال : لا . قال : فحين تجردت عن مخيط ثيابك ، نويت أنك تجردت من الرياء والنفاق ، والدخول في الشبهات ؟ قال : لا . قال : فما نزلت الميقات ، ولا تجردت عن مخيط الثياب ، ولا اغتسلت . ثم قال : تنظفت وأحرمت وعقدت بالحج ؟ قال : نعم . قال : فحين تنظفت وأحرمت وعقدت الحج نويت أنك تنظفت بنورة التوبة الخالصة لله تعالى ؟ قال : لا . قال : فحين أحرمت ، نويت أنك حرمت على نفسك كل محرم حرمه الله عز وجل ؟ قال : لا . قال : فحين عقدت الحج نويت أنك قد حللت كل عقد لغير الله ؟ قال : لا . قال له : ما تنظفت ولا أحرمت ، ولا عقدت الحج . ثم قال له : أدخلت الميقات وصليت ركعتي الإحرام ولبيت ؟ قال : نعم . قال : فحين دخلت الميقات نويت أنك بنية الزيارة ؟ قال : لا . قال : فحين صليت الركعتين ، نويت أنك تقربت إلى الله بخير الأعمال من الصلاة وأكبر حسنات العباد ؟ قال : لا . قال : فحين لبيت نويت أنك نطقت لله سبحانه بكل طاعة ، وصمت عن كل معصية ؟ قال : لا . قال له : ما دخلت الميقات ولا صليت ولا لبيت . ثم قال له : أدخلت الحرم ورأيت الكعبة وصليت ؟ قال : نعم . قال : فحين دخلت الحرم نويت أنك حرمت على نفسك كل غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملة الإسلام ؟ قال : لا . قال : فحين وصلت مكة نويت بقلبك أنك قصدت الله ؟ قال : لا . قال : فما دخلت الحرم ، ولا رأيت الكعبة ولا صليت . ثم قال : طفت بالبيت ، ومسست الأركان وسعيت ؟ قال : نعم . قال : فحين سعيت نويت أنك هربت إلى الله ، وعرف ذلك منك علام الغيوب ؟ قال : لا . قال : فما طفت بالبيت ، ولا مست الأركان ولا سعيت . ثم قال له : صافحت الحجر ، ووقفت بمقام إبراهيم ، وصليت به ركعتين ؟ قال : نعم . فصاح صيحة كاد يفارق الدنيا ، ثم قال : آه آه . ثم قال : من صافح الحجر الأسود ، فقد صافح الله تعالى ، فانظر يا مسكين ، لا تضيع أجر ما عظم حرمته وتنقض المصافحة بالمخالفة ، وقبض الحرام نظير أهل الآثام . ثم قال : نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم أنك وقفت على كل طاعة وتخلفت عن كل معصية ؟ قال : لا . قال : فحين صليت فيه ركعتين نويت أنك صليت بصلاة إبراهيم ، وأرغمت بصلاتك أنف الشيطان ؟ قال : لا . قال له : فما صافحت الحجر الأسود ، ولا وقفت عند المقام ، ولا صليت فيه ركعتين . ثم قال له : أشرفت على بئر زمزم وشربت من مائها ؟ قال : نعم . قال : أنويت أنك أشرفت على الطاعة ، وغضضت طرفك عن المعصية ؟ قال : لا . قال : فما أشرفت عليها ولا شربت من مائها . ثم قال له : أسعيت بين الصفا والمروة ومشيت وترددت بينهما ؟ قال : نعم . قال له : نويت أنك بين الرجاء والخوف ؟ قال : لا . قال : فما سعيت ولا مشيت ولا ترددت بين الصفا والمروة . ثم قال : أخرجت إلى منى ؟ قال : نعم . قال : نويت أنك آمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك ؟ قال : لا . قال : فما خرجت إلى منى . ثم قال له : أوقفت الوقفة بعرفة وطلعت جبل الرحمة ، وعرفت وادي نمرة ، ودعوت الله سبحانه عند الميل والجمرات ؟ قال : نعم . قال : هل عرفت بموقفك بعرفة معرفة الله سبحانه أمر المعارف والعلوم ، وعرفت قبض الله على صحيفتك ، واطلاعه على سريرتك وقلبك ؟ قال : لا . قال : نويت بطلوعك جبل الرحمة إن الله يرحم كل مؤمن ومؤمنة ، ويتوالى كل مسلم ومسلمة ؟ قال : لا . قال : نويت عند نمرة أنك لا تأمر حتى تأتمر ، ولا تزجر حتى تنزجر ؟ قال : لا . قال : فعندما وقفت عند العلم والنمرات نويت أنها شاهدة لك على الطاعات ، حافظة لك مع الحفظة بأمر رب السماوات ؟ قال : لا . قال : فما وقفت بعرفة ، ولا طلعت جبل الرحمة ، ولا عرفت نمرة ، ولا دعوت ولا وقفت عند النمرات . ثم قال : مررت بين العلمين ، وصليت قبل مرورك ركعتين ، ومشيت بمزدلفة ، ولقطت فيها الحصى ، ومررت بالمشعر الحرام ؟ قال : نعم . قال : فحين صليت ركعتين نويت أنها صلاة شكر في ليلة عشر ، تنفي كل عسر ، وتيسر كل يسر ؟ قال : لا . قال : فعندما مشيت بين العلمين ، ولم تعدل عنهما يمينا وشمالا نويت ألا تعدل عن دين الحق يمينا وشمالا لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك ؟ قال : لا . قال : فعندما مشيت بمزدلفة ولقطت منها الحصى ، نويت أنك رفعت عنك كل معصية وجهل وثبت كل علم وعمل ؟ قال : لا . قال : فعندما مررت بالمشعر الحرام نويت أنك أشعرت قلبك إشعار أهل التقوى والخوف لله عز وجل ؟ قال : لا . قال : فما مررت بالعلمين ، ولا صليت ركعتين ، ولا مشيت بالمزدلفة ، ولا رفعت منها الحصى ، ولا مررت بالمشعر الحرام . ثم قال له : وصلت منى ، ورميت الجمرة ، وحلقت رأسك ، وذبحت هديك ، وصليت في مسجد الخيف ، ورجعت إلى مكة ، وطفت طواف الإفاضة ؟ قال : نعم . قال : فنويت عندما وصلت منى ، ورميت الجمار أنك بلغت إلى مطلبك ، وقد قضى ربك لك كل حاجتك ؟ قال : لا . قال : فعندما رميت الجمار نويت أنك رميت عدوك إبليس ، وعصيته بتمام حجك النفيس ؟ قال : لا . قال : فعندما حلقت رأسك ، نويت أنك تطهرت من الأدناس ، ومن تبعة بني آدم ، وخرجت من الذنوب ، كما ولدتك أمك ؟ قال : لا . قال : فعندما صليت في مسجد الخيف ، نويت أنك لا تخاف إلا الله وذنبك ، ولا ترجو إلا رحمة الله تعالى ؟ قال : لا . قال : فعندما ذبحت هديك ، نويت أنك ذبحت حنجرة الطمع بما تمسكت به من حقيقة الورع ، وأنك اتبعت سنة إبراهيم بذبح ولده ، وثمرة فؤاده ، وريحان قلبه ، وحاجه سنته لمن بعده ، وقربه إلى الله تعالى لمن خلقه ؟ قال : لا . قال : فعندما رجعت إلى مكة ، وطفت طواف الإفاضة نويت انك أفضت من رحمة الله تعالى ، ورجعت إلى طاعته ، وتمسكت بوده ، وأديت فرائضه ، وتقربت إلى الله تعالى ؟ قال : لا . قال له زين العابدين : فما وصلت منى ، ولا رميت الجمار ، ولا حلقت رأسك ، ولا أديت ( ذبحت ) نسكك ، ولا صليت في مسجد الخيف ، ولا طفت طواف الإفاضة ولا تقربت ، ارجع فإنك لم تحج . فطفق الشبلي يبكي على ما فرطه في حجه ، وما زال يتعلم حتى حج من قابل بمعرفة ويقين . 237 . ورأى : الحسن البصري عند الحجر الأسود يقص ، فقال : يا هناه ، أترضى نفسك للموت ؟ قال : لا ، قال : فعملك للحساب ؟ قال : لا . قال : فثم دار العمل ؟ قال : لا . قال : فلله في الأرض معاذ غير هذا البيت ؟ قال : لا . قال : فلم تشغل الناس عن الطواف ؟ ثم مضى . قال الحسن : ما دخل مسامعي مثل هذه الكلمات من أحد قط ، أتعرفون هذا الرجل ؟ قالوا : هذا زين العابدين . فقال الحسن : ذرية بعضها من بعض . |