مقارنة بين أصحاب النبي عيسى عليه السلام وأصحاب سيد شباب أهل الجنة عليه السلام
بِسْـمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112المائدة
يتعجَّب الإنسان من سؤال الحواريين رضي الله عنهم وهم أصحاب عيسى عليه السلام الخاصّين ، وقد رأوا آياته ومعجزاته! لأن هذا السؤال لا يمكن أن يسأله أحدٌ من أئمَّة العترة النبوية وكبار أصحابهم. ومعناه أنَّ الحواريين مهما بلغوا من الفضل والعلم ، لا يصلون إلى مقامات أهل البيت عليهم السلام.
بل إن أستاذهم ومُعلمهم نبي الله عيسى صلوات الله على نبينا وآله وعليه ، لم يصل إليها, لأن نبينا وآله’ مشروعٌ رباني خاص ، كانت ولايتهم مفروضة على الأنبياءعليهم السلام، وقدأخذ الله عزوجل ميثاقهم على ولايتهم.
فالآية المباركة تدلُّ على نقطة ضعفٍ في إيمان الحواريين ، خاصّة في صيغة سؤالهم: هل يستطيع الله عز وجل أن ينزل علينا مائدة!
ومعناه أن صحبتهم لعيسى عليه السلام لم توصلهم إلى درجة اليقين القوي بقدرة الله عز وجل ، وبقيت درجة إيمانهم دونه.
وموقف سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه السلام أرقى من موقف الحواريين ، لأنه قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي , فأراد أن يرى قدرة الله عزوجل حسّياً، فمستوى اليقين عنده كان عالياً، وأراد أن يرفع مستواه إلى مستوى الحس. وبذلك نفهم عمق مستوى إيمان أمير المؤمنين علي عليه السلام ينه حيث يقول: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً!
فمقام الحواريين: هل يستطيع ربك ؟
ومقام ابراهيم عليه السلام : بلى ولكن ليطمئن قلبي.
أما أمير المؤمنين عليه السلام فمقامه: يقيني بالغيب كيقيني بالمحسوس.
بل الأمر عند علي أكثر من هذا ، يقول صلوات الله عليه:( أخبرني رسول الله ‘بما الأمة صانعة بي بعده ، فلم أكُ بما صنعوا حين عاينته ، بأعلم مني ولا أشد يقيناً مني به قبل ذلك ، بل أنا بقول رسول الله‘أشد يقيناً مني بما عاينت وشهدت). (كتاب سليم بن قيس/215).
يعني أن يقيني بما قاله لي رسول الله‘أكثر من يقينيبما أراه بحواسِّي لأن الحواس قد تخطئ ، لكن كلام النبي‘وحيٌ ويقينٌ لا يخطئ.
أما نبينا‘فهو أفضل الخلق وأقواهم يقيناً على الإطلاق.
وقد ذكر الحواريون أهدافهم من طلبهم ، وهي: أن يأكلوا من المائدة. وتطمئن قلوبهم. ويعلموا صدق نبيهم. ويكونوا شهوداً عليها عند الناس.
حينئذٍ طلب عيسى من الله عز وجل ، ولا بد أن الله أجازه بذلك: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ. ولماذا لم يقل لوسطنا؟
الجواب: لأن أولهم زمن عيسى آخرهم عندما ينزل من السماء عند خروج الإمام المهدي عليه السلام ، فتكون عيداً لهم بعد نزوله أيضاً ، وآيةً من الله عز وجل ، وحُجةً على الناس في عصره.
وتذكر الروايات أن المائدة نزلت وهي منضدة لها أربعة قوائم ، وعليها أطباق طعام مرتبة ، وقد أكل منها الحواريون ، ولم ينقص منها شئ ثم ارتفعت. وأنها سوف تنزل ثانية ، وتكون آية لنبي الله عيسى ولإمامناالمهدي’.
وقد استجاب الله عزوجل لطلب عيسی، وأنل المائدة ، لكن بشرط أن لايكفروا بعدها ، لأنهم إن كفروا استحقوا عذاباً أليماً أكثر من غيرهم.
قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِين...
مقارنة بين أصحاب سيدنا عيسى وأصحاب ومولانا الإمام الحسين عليه السلام
هؤلاء أصحاب عيسى بضعة عشر نفر ، وكان مستواهم في الإيمان متوسطاً كما عرفت. وكان بينهم شخص خائن هو الذي وشى بعيسى الى الرومان واليهود ، فجاؤوا ليقبضوا عليه ويقتلوه ، فرفعه الله اليه ، وألقى شبهه على الخائن يهودا الإسخريوطي ، فأخذوه مكانه.
أما أصحاب الحسين فكانواأكثر من سبعين نفراً ، وقد خطب فيهم ليلة عاشوراء فقال كما في الإرشاد(2/93): (أثني على الله أحسن الثناء ، وأحمده على السراء والضراء ، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة ، فاجعلنا من الشاكرين. أما بعد: فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيراً ، ألا وإني لأظن أنه آخر يوم لنا من هؤلاء ، ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام. هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً.
فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لِمَ نفعل ذلك! لنبقى بعدك! لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول العباس بن علي رضوان الله عليه ، واتبعته الجماعة عليه ، فتكلموا بمثله ونحوه. فقال الحسين: يا بني عقيل ، حسبكم من القتل بمسلم ، فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم. قالوا: سبحان الله ، فما يقول الناس! يقولون إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا ، لا والله ما نفعل ذلك ، ولكن نفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا ، ونقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك! وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال: أنخلي عنك ولما نعذر إلى الله سبحانه في أداء حقك! أما والله حتى أطعن في صدورهم برمحي ، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، والله لا نخليك حتى يعلم الله أن قد حفظنا غيبة رسول الله‘فيك ، والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أحيا ثم أذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرة ، ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك ، فكيف لاأفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً! وقام زهير بن القين البجلي رحمة الله عليه فقال: والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة ، وأن الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك ، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك. وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجه واحد ، فجَزَّاهم الحسين خيراً وانصرف إلى مضربه).
قال المسعودي في أخبار الزمان/274: (وروي أن الحسين عليه السلام كشف لأصحابه عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم ، وعرّفهم منازلهم فيها والحمد لله رب العالمين |
||||