أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)
الحمدلله وسلام على عباده الذين اصطفى:
إن تمعن المؤمن الموالي لأهل البيت(عليهم السلام) والمحب لسيد الشهداء (عليه السلام) وتفكره في هذه الشخصية الإلهية الفذة والغور في أسرارها ولو على نحو الإستطلاع والنظرة إلى كثرة المعاجز الخارجية التي حصلت ولازالت مستمرة والمستور إعظم، منذ شهادته المقدسة سيقف مبهورا ومتعجبا من عظمة هذا الإمام المعصوم وكثرة الإسرار التي تحف به وكأنه القطب الأوحد في الإسلام وعليه الثقل الأعظم لتثبيت هذا الدين وهذا ما سمحت به نفسه المقدسة الطاهرة إذ يقول وهو يجود بنفسة عندما سقط من على ظهر جواده في ظهيرة يوم عاشوراء(الهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى) هذا يدل على ذوبان الإمام الحسين في هذه القضية الإلهية التي ثبت مبادئها وأرساها على الأرض بدمائه الطاهرة ودماء النخبة من أهل بيته وأصحابهالبررةصلوات الله وسلامه عليهم
إن الإمام الحسين بن علي عليهما السلام وإن لم يُرى شخصه إلا أنه حاضر في كل المواقف وكل الأحداث(وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران،آية169. وهذه الأسرار لم يطلع عليها أحد إلا المعصوم نفسه فهي من العلوم الغيبية التي تفوق مقدرة الإنسان العادي، وإنما يتصدى لها من له دراية بعالم الملكوت الذي يسمى :بعالم الأرواح، وعالم الأفعال، وعالم الغيب والباطن، لأنه خارج عن هذا الجسد القاصر عن إدراك حقائق الغيب
لذلك نطق الرأس الشريف وهو مرفوع على الرمح وهو يُدار في أزقة الكوفة عندما أخذت الرؤوس إلى عبيد الله بن زياد عليه اللعنة ، الآية (9) من سورة الكهف (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)
وفي كتاب مناقب أمير المومنين (عليه السلام)عن محمد بن سليمان الكوفي عن أبو احمد قال : سمعت محمد بن مهدي يحدث ، عن عبد الله بن داهر الرازي ، عن أبيه عن الأعمش : عن المنهال بن عمرو قال
رأيت رأس الحسين بن علي على الرمح وهو يتلو هذه الآية الشريفة(الكهف9) فقال رجل من عرض الناس:
إن رأسك أعجب يابن رسول الله ،إنها معجزة عظيمة لم تحدث في عالم البشرية إلا مرتان الأولى مع النبي يحيى بن زكريا عندما قُطع رأسه ووضع في طست ونطق بحكم شرعي بعدم حلية ملك عصره من الزواج من بنت زوجته ،والثانية الإمام الحسين عليه السلام بعد أن رُفع على القنا نطق بالآية الكريمة الآنفة الذكر وستة مرات بعدها نطق
وعندما حُمل الرأس الشريف إلى دمشق ونصب في موضع الصيارفة وهناك لغط المارة وضوضاء المتعاملين فأراد سيد الشهداء توجيه النفوس نحوه ليسمعوا عظاته ، فتنحنح الرأس تنحنحا عاليا ، فاتجهت إليه الناس وإعترتهم الدهشة حيث لم يسمعوا رأسا مقطوعا يتكلم قبل يوم الحسين(عليه السلام)، فعندها قرأ سورة الكهف الى قوله تعالى (انهم فتية آمنوا بربهم وزدناهمهدى)
وصُلب على شجرة فاجتمع الناس حولها ينظرون إلى النور الساطع فأخذ يقرأ(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)(227 الشعراء) .قال هلال بن معاوية : رأيت رجلا يحمل رأس الحسين (عليه السلام)والرأس يخاطبه
(فرقت بين رأسي وبدني فرفع السوط وأخذ يضرب الرأس حتى سكت)
ويحدث إبن وكيده :أنه سمع الرأس يقرأ سورة الكهف فشك في أنه صوته أو غيره ، فترك (عليه السلام) القراءة والتفت إليه يخاطبه :يابن وكيده أما علمت أنا معشر الأئمة أحياء عند ربهم يُرزقون فعزم على أن يسرق الرأس ويدفنه ، وإذا الخطاب من الرأس الشريف يابن وكيده :ليس إلى ذلك سبيل ، إن سفكهم دمي أعظم عند الله من تسييري على الرمح فذرهم فسوف يعلمون (إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ )( غافر/الآية 71)
وقال المنهال بن عمرو: رأيت رأس الحسين بدمشق على رمح وأمامه رجل يقرأ سورة الكهف ، حتى إذا بلغ الى قوله تعالى(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً )( الكهف/لآية 9
نطق الرأس بلسان فصيح :أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي
ولما أمر يزيد بقتل رسول ملك الروم حيث أنكر عليه فعلته ، نطق الرأس الشريف بصوت رفيع :
لاحول ولاقوة إلا بالله.
والنتيجة: أن نطق الرأس إنما كان لإقامة الحجة على أهل الشام الذين كانوا يجهلون شأن الحسين وإمامته وصدق قضيته ،وتكذيب ما كان مروج له من أن هؤلاء سبايا من الروم والديلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الحسين في الفكر المسيحي، انطوان بارا