أهل البيت و علوم القرآن

كان أهلُ البيت عليهم السّلام السبّاقين إلى التحدث في علوم القرآن الكريم من: تفسيره وتبيان مقاصده، وتعليم مفاهيمه للناس وبيان ما يرتبط به من شؤون، مثل أسباب النزول ومواقع النزول وما شابه ذلك.

وإليك ما كتبه ابن النديم في الفهرست حول الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في مجال الاهتمام بالقرآن جمعاً وتدويناً، وإليك نص ما دبَّجه بالنص:

ترتيب سور القرآن في مُصحَف أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.

قال ابن المنادي: حدَّثني الحسنُ بن العباس قال: اُخبرتُ عن عبد الرحمان بن أبي حماد عن الحكم بن ظهير السَّدوسي، عن عبد خير عن عليّ عليه السّلام أنَّه رأى من النّاس طِيرَة عند وفاة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، فأقسم أنه لا يضعُ على ظَهره رداءه حتّى يجمع القرآن، فهو أوَّل مصحَف جمع فيه القرآن مِن قبله.

وهكذا كان أوّل اهتمامات الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، عقب وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله والتحاقه بالرفيق الأعلى هو جمع القرآن المنزَّل من أوله إلى آخره.

وقال السيوطي في «الإتقان»: وأمّا عليٌ فرَوى عنه الكثير، وقد روى معمَّر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال: شهدتُ عليّاً يخطب وهو يقول: "سلوني، فوالله لا تسألونني عن شيء إلاّ أخبرتكم. وسلوني عن كتاب الله، فواللهِ ما من آية إلاّ وأنا أعلمُ أبليلٍ نزلَت أم بنهار، في سَهلٍ أم في جَبل".

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود قال: إن القرآن اُنزِلَ على سبعة أحرف، ما منها حرف إلاّ ولَه ظَهر وبطن، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده من الظاهر والباطن.

وإليك أيضاً نصّ ما كتبه ابن النديم عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام في فهرسته: " تسمية الكتب المصنّفة في تفسير القرآن ـ ثمّ قال: كتابُ الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام ".

وقال الشيخ المفيد أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان: لم يظهر عن أحد من ولُد الحسن والحسين عليهم السّلام من علم الدين والسُّنَن وعِلم القرآن والفنون والأدب ما ظهر من أبي جعفر الباقر ( عليه السلام).

وكتب كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي عن نشاط الإمام جعفر الصادق عليه السّلام القرآني يقول: "جعفر بن محمّد من علماء أهل البيت وساداتهم، ذو علوم جمّة... وتلاوةٍ كثيرةٍ، يَتَتَبَّعُ معاني القرآن ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه".

وأنشد مالك الجهنيّ في شأن الإمام محمد بن عليّ الباقر عليه السّلام يقول:

إذا طلـَبَ الناسُ علم القُران *** كانــت قريشٌ عليه عيـــالا

وإن فاه فيه ابنُ بنتِ النبي *** تلقّت يـــــداهُ فُروعاً طِوالا

نجــومٌ تهلَّلُ لِلمُدلجين *** فَتَهدي بأنوائهن الرجالا

وجاء في «إرشاد» الشيخ المفيد رحمه الله، أنّ المأمون العباسي لمّا أراد أن يزوّج ابنته اُمَّ الفضل أبا جعفر الإمام محمد بن عليّ ( الجواد ) عليهما السّلام بلغ ذلك العباسيين فشقّ عليهم، واعترضوا على المأمون، وجرى بينهم وبينه جدال ونقاش. ومما قالوه هو: يا أمير المؤمنين، أتُزوّج ابنتك وقرة عينك صبيّاً لم يتفقّه في دين الله، ولا يعرف حلاله من حرامه، ولا فرضه من سنته ؟!... فأمهِلْه ليتأدب ويقرأ القرآن ويتفقه في الدين ويعرف الحلال من الحرام، ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم المأمون: ويْحكُم! إني أعرَفُ بهذا الفتى منكم، وإنه لأفقهُ منكم وأعلم بالله ورسولهِ وسنّته وأحكامه، وأقرأُ لكتاب الله منكم وأعلم بمحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وظاهره وباطنه، وخاصّه وعامّه، وتنزيله وتأويله منكم.. إلى آخر كلامه.

وقال أبو نؤاس وهو يمدح الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام عاكساً نظرة الناس إليه وإلى من تقدَّمه من أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام):

مُطَهَّــــــــــــــــــرون نَقيّاتٌ ثيابُهُمُ *** تجـري الصلاة عليهم أينما ذُكِرُوا

مــــــن لم يكُنْ عَلَويّاً حينم تَنسبُهُ *** فما لــــــه في قديم الدهر مفتَخَرُ

فالله لما بَرى خَلْقاً فأتقنـــــــــــــه *** صفّاكـمُ واصطفاكم أيّها البشــــــرُ

وأنتــــــــــمُ المَلأُ الأعْلى وعِندكْمُ *** علْمُ الكتاب وما جاءَت به السُّورُ

وروى الحميري عن محمد بن سعيد مولى لوُلد جعفر بن محمد قال: قدم عمر بن الفرج المرخجي المدينةَ حاجّاً بعد مُضيّ أبي جعفر ( أي وفاة الإمام الجواد عليه السّلام ) فاحضر جماعة من أهل المدينة والمخالفين المعاندين لأهل بيت رسول الله فقال لهم: إبغُوا لي رجلاً من أهل الأدَب والقرآن والعلم لا يوالي أهلَ هذا البيت، لأضمَّهُ إلى هذا الغلام، واُوكله بتعليمه، وأتقدم إليه بأن يمنع منه الرافضةَ الذين يقصدونه، يمسُّونه. فأسمَوا له رجلاً من أهل الأدب يُكنّى أبا عبدالله ويعرف بالجنيدي، متقدماً عند أهل المدينة في الأدب والفهم، ظاهر الغضب والعداوة..

فأحضره عمر بن الفرج وأسنى له الجاري من مال السلطان وتقدَّم إليه بما أراد، وعرّفه أن السلطان أمَرَهُ باختيار مثله، وتوكيله بهذا الغلام.

قال: فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن في القصر بـ «صريا» فإذا كان الليل أغلق الباب وأقفله، وأخذ المفاتيح إليه. فمكث على هذا مدةً وانقطعت الشيعةُ عنه وعن الاستماع إليه منه والقراءة عليه.

ثمّ اني لقيته في يوم جمعة فسلّمت عليه، وقلت له: ما قال هذا الغلام الهاشميّ الذي تؤدّبُهُ ؟ فقال منكراً علَّي: تقولُ هذا الغلام، ولا تقول الشيخَ الهاشمي ؟! اُنشدكُ اللهَ هل تعلمُ في المدينة أعلم منّي ؟! قلت: لا. قال: فاني والله أذكر له الحزبَ من الأدَب أظنُّ أني قد بالغتُ فيه فيملي عليَّ بما فيه أستفيده منه، ويظنّ الناس أنّي اُعلّمُهُ، وأنا واللهِ أتعلَّم منه.

قال: فتجاوزتُ عن كلامه هذا، كأنّي ما سمعتهُ منه، ثمّ لقيتُه بعد ذلك فسلّمتُ عليه وسألتُه عن خبره وحاله، ثمّ قلت: ما حال الفتى الهاشميّ ؟ فقال لي: دَع هذا القولَ عنك، هذا واللهِ خير أهل الأرض وأفضلُ مَن خُلق، إنّه لربما هَمّ بالدخول ( أي الدخول إلى حجرته للاستراحة ) فأقول له: تَنَظَّرْ حتّى تقرأ عُشْركَ، فيقول لي: أي السُّور تحبُ أن أقرأها ؟ فأذكر له من السور الطوال لم يبلغ إليه، فَيَهُزُّها بقراءة لم أسمع أصحَّ منها من أحدٍ قط، وحزمٍ أطيب من مزامير داود النبيّ الذي بقراءته يضرب المثل.

قال: ثم قال: هذا ماتَ أبوهُ بالعراق وهو صغير بالمدينة، ونشأ بين هذه الجواري السود فمن اين عَلِمَ هذا ؟

قال: ثمّ ما مرّت به الأيّامُ والليالي حتّى لقيتُه فوجدتُه قد قال بإمامته وعرف الحق.

المصدر: موقع مؤسسة السبطين العالمية