العدل

 

إن العدل هو صفة من صفات اللَّه تعالى الثبوتية ولكن أفرد ببحث مستقل لأهميته وكثرة متعلقاته، ويقابل العدل الظلم فاللَّه تعالى عادل غير ظالم لمخلوقاته لا يفعل قبيحاً ولا يجور في قضائه ولا يحيف في حكمه وابتلائه لعباده، يثيب المطيعين وله أن يعاقب العاصين ولا يعاقبهم زيادة على ما يستحقون، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "التوحيد أن لا تتوهمه، والعدل أن لا تتهمه"1.
معنى العدل: العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، يقول تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ءوَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾2 أو هو وضع الأمور في مواضعها، يقول أمير المؤمنين عليه السلام:"العدل يضع الأمور مواضعها"3.
الأمر بالعدل:
إن اللَّه سبحانه وتعالى قد أمر عباده بالعدل في آيات عديدة، والعدل هو من

الصفات الحميدة والكمالية، والعقلاء يقبّحون من يترك العدل ويظلم الناس، ولا يمكن للَّه عزَّ وجلّ‏َ إلا أن يتصف بهذه الصفة لأنها صفة كمال كما أنه لا يمكن أن يأمر الناس بهذه الصفة الكمالية ولا تكون عنده، مع أنه تعالى هو الحاوي لكل صفات الكمال على النحو الأتم والأكمل.
يقول تعالى: ﴿إِنّ‏َ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنّ‏َ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنّ‏َ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾4.

ويقول تعالى: ﴿إِنّ‏َ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْي﴾5.
دواعي الظلم:
الظلم ضد العدل، وللظلم دواعٍ ثلاثة إذا انتفت هذه الدواعي يثبت العدل وهي:
1- الجهل: من دواعي الظلم الجهل بالظلم والعدل، فإن القوانين الوضعية التي وضعها الفكر البشري تحتوي على كثير من الظلم لأنها نابعة من الفكر البشري المحدود. ولو كان هذا العقل البشري عالماً ومدركاً لكل التفاصيل والنتائج لانتفت كثير من أسباب الظلم، في حين أن اللَّه تعالى عالم حكيم كما تقدم معنا في الصفات يقول تعالى: ﴿وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيم﴾6 ويقول تعالى: ﴿وَأَنّ‏َ اللّهَ بِكُلّ‏ِ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ﴾7 وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾8.
2- الخوف: أحياناً يؤدي الخوف إلى الظلم سواء كان الخوف من الغير على

الحكم أو كان الخوف من انهيار الوضع الاقتصادي للشخص مما يدفع بالأشخاص إلى ظلم الآخرين للحفاظ على أوضاعهم ومراكزهم وغير ذلك وهذا السبب يستحيل أن يكون في اللَّه تعالى لأنه هو القوي العزيز مالك الملك غلبت جبروته كل شي‏ء وقدرته غير متناهية، يقول تعالى: ﴿إِنّ‏َ اللَّهَ قَوِيّ‏ٌ عَزِيز﴾9 ﴿أَنّ‏َ اللّهَ عَلَى كُلّ‏ِ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ﴾10.
3- الحاجة والحرمان: الإنسان المحتاج الذي ييأس من تحصيل مطالبه بالطرق المشروعة فإنه قد يلجأ إلى طرق أخرى يظلم فيها نفسه بالمعصية ويظلم الآخرين بسلب بعض حقوقهم والاعتداء عليهم، وهذا لا يمكن أن يكون في ساحة اللَّه عزَّ وجلّ‏َ لأنه هو الغني المطلق وعنده خزائن السماوات والأرض يقول تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنّ‏َ اللّهَ غَنِيّ‏ٌ حَمِيدٌ﴾11، وقوله تعالى: ﴿إِنّ‏َ اللَّهَ لَغَنِيّ‏ٌ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾12، وهذا لا يختص بالحاجة والحرمان المادي بل يشمل الحاجة والحرمان النفسي أيضاً كعقدة النقص..
معالم عدالة اللَّه تعالى:
إن عدالة اللَّه تعالى تعني:
1- أن جميع أفعاله تعالى حكمة وصواب وليس فيها ظلم ولا جور ولا كذب ولا عيب لأنه تعالى منزَّه عن هذه القبائح لعلمه تعالى بها وقدرته اللامتناهية.
2- أفعاله تعالى معلَّلة بالأغراض والمصالح لأنه حكيم والحكيم لا يصدر منه العبث، والعبث من فعل الضعيف، يقول تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا

بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ﴾13.
3- أنه تعالى لا يكلف أحداً فوق طاقته:
قال تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾14.
﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾15 ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾16.
4- إنه تعالى لا يضل أحداً من عباده: بل هداهم وهم أضلوا أنفسهم.
حيث يقول تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾17.
أو أنهم أطاعوا كبراءهم ورؤساءهم فأضلوهم عن طريق الحق وأخذوا بهم إلى طريق الباطل، يقول تعالى: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾18.
5- إنه تعالى يعامل عباده معاملة الممتحن: أي يبلوهم ليمتحنهم ويثيبهم ويعاقبهم على أساس الاختبار، قال تعالى: ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾19.
6- اللَّه تعالى لا يعاقب الناس على فعله:
بل يعاقبهم على أفعالهم ولا يلومهم فيما صنعه بهم، فلا يعاقبهم على الأمور التكوينية كالسواد والبياض والطول والقصر وكل ما هو غير اختياري لهم، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ

لِتَعَارَفُوا إِنّ‏َ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمٌ﴾20.
7- اللَّه تعالى أراد الطاعة من عباده:
إن اللَّه تعالى أراد من عباده الخير والطاعة وأحبها وكره المعاصي ونبذها.
يقول تعالى: ﴿...اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ...﴾21.
العدل والظلم في القرآن الكريم:
1- لا يظلم أحداً:
قلنا إن الظلم يقابل العدل وإذا نفينا الظلم عن ساحته المقدسة نكون قد أثبتنا العدل وهذا ما فعلنا عندما نفينا دواعي الظلم عنه تعالى ولكن الآن ننفي عنه الظلم تعالى من خلال القرآن الكريم، حيث وردت آيات كثيرة جداً تنفي عنه تعالى الظلم وتتوعد الظالمين بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.
يقول تعالى: ﴿إِنّ‏َ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّة﴾22.
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾23.
﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ءوَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾24.
2- الظلم من النفس:
آيات كثيرة من القرآن الكريم تسند الظلم إلى نفس الإنسان لأنه أعمى بصره عن الحق وتجاوز حدود اللَّه تعالى فكان ظالماً لنفسه أولاً ثم للآخرين.
يقول تعالى: ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه﴾25.

﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون﴾26.
﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ﴾27.
3- ذم الظالمين:
إن اللَّه تعالى ذمّ‏َ الظالمين في آيات كثيرة وأوعدهم بأليم العقاب واللَّه تعالى منزَّه عمَّا ذمّ‏َ به خلقه.
يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنّ‏َ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَار﴾28.
﴿إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْل﴾29.
﴿وَيَوْمَ يَعَضّ‏ُ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾30.
﴿أَلَا إِنّ‏َ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيم﴾31.
4- إبليس والظالمون:
إن القرآن الكريم يحدثنا عن موقف إبليس مع الظالمين يوم القيامة وكيف يتبرّأ منهم ويكفر بما أشركوا فيه وذلك بعدما أغواهم ووعدهم وركنوا إليه فأخلفهم وتركهم يواجهون مصيرهم المحتوم بعد أن تركوا اللَّه سبحانه وتعالى الذي يدعوهم لما يحييهم كما يقول تعالى: ﴿يا أيها الذين امنوا استجيبوا للَّه وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم﴾32.
﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾33.

ويقول تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنّ‏َ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقّ‏ِ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيّ‏َ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنّ‏َ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾34.

هوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- نهج البلاغة، حكمة 470.
2- الزلزلة: 7 - 8.
3- بحار الأنوار، ج‏75، ص‏350.
4- النساء: 58.
5- النحل: 90.
6- النساء: 12.
7- المائدة: 97.
8- يونس: 61.
9- المجادلة: 21.
10- البقرة: 259.
11- البقرة: 267.
12- العنكبوت: 6.
13- الأنبياء: 16.
14- البقرة: 286.
15- البقرة: 185.
16- الحج: 78.
17- النحل: 118.
18- الأحزاب: 67.
19- الملك: 2.
20- الحجرات: 13
21- الحجرات: 7.
22- النساء: 40.
23- فصلت: 46.
24- الزلزلة، الآيتان: 7 8.
25- الطلاق: 1.
26- آل عمران: 117.
27- الزخرف: 76.
28- إبراهيم: 42.
29- سبأ: 31.
30- الفرقان: 27.
31- الشورى: 45.
32- الأنفال: 27.
33- البقرة: 268.
34- إبراهيم: 22.

المصدر:جمعية المعارف الإسلامية الثقافية