أصنام قريش

 

قال تعالى:

{وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَ نَسْرا}23نوح

من المحتمل أن يكون عبادة الأصنام واحدة من الخطط والأساليب التي أتبعها قوم نوح، وذلك طبقاً للرّوايات التي تشير إلى عدم وجود عبادة الأصنام قبل عصر نوح(عليه السلام) وأن قوم نوح هم الذين أوجدوها، وذكر أنّ في المدّة الزمنية بين آدم ونوح(عليهما السلام) كان هناك اُناس صالحون أحبّهم الناس، ولكن الشيطان "أو الأشخاص الشيطانيين" عمد إلى استغلال هذه العلاقة، وترغّبهم في صنع تماثيل أُولئك الصالحين بحجّة تقديسهم وإجلالهم، وبعد مضي الزمن نسيت الأجيال هذه العلاقة التاريخية، وتصورت أنّ هذه التماثل هي موجودات محترمة ونافعة يجب عبادتها، وهكذا شُغلوا بعبادة الأصنام، وعمد الظلمون والمستكبرون إلى إغفال الناس وتكبيلهم بحبائل الغفلة، وهكذا تحقق المكر الكبير.
وتدل الآية الأُخرى على هذا الأمر، إذ أنّها تضيف بعد الإشارة إلى خفاء هذا المكر في قوله تعالى: (وقالوا لا تذرنّ آلهتكم).
ولا تقبلوا دعوة نوح إلى اللّه الواحد، وغير المحسوس، وأكدوا بالخصوص على خمسة أصنام، وقالوا: ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً
ويستفاد من القرائن أنّ لهذه الأصنام الخمسة مميزات وخصائص، وأنّها لقيت عناية بالغة من القوم الظالمين، ولهذا كان رؤسائهم المستغلون لهم يعتمدون على عبادتهم لها.
وهناك روايات متعددة تشير إلى وجود وابتداع هذه الأصنام، وهى:
 ـ قال البعض: إنّها أسماء خمسة من الصالحين كانوا قبل نوح(عليه السلام) وعندما رحلوا من الدينا اتّخذوا لهم تماثيل لتبقى ذلكرى، وذلك بتحريك وإيحاء من إبليس، فوقّروها حتى عبدت تدريجياً بمرّ العصور.
 ـ قيل أنّها أسماء خمسة أولاد لآدم(عليه السلام) كان كلّما يموت أحدهم يضعون له تمثالاً وذلك لتخليد ذكراه، وبمرور الزمن نُسي ذلك الغرض وأخذوا يروجون عبادتها بكثرة في زمن نوح(عليه السلام).
 ـ البعض الآخر يعتقد أنّها أسماء لأصنام في زمن نوح(عليه السلام)، وذلك لأنّ نوحاً(عليه السلام) كان يمنع الناس من الطواف حول قبر آدم(عليه السلام) فاتخذوا مكانه تماثيل بإيعاز من إبليس وشغلوا بعبادتها (1).
وهكذا انتقلت هذه الأصنام الخمسة إلى الجاهلية العربية، وانتخبت كل قبيلة واحدة من هذه الأصنام لها، ومن المستبعد أن تكون الأصنام قد انتقلت إليهم، بل إنّ الظاهر هو انتقال الأسماء إليهم ثمّ صنعهم التماثيل لها، ولكن بعض المفسّرين نقلوا عن اين عباس أنّ هذه الأصنام الخمسة قد دفنت في طوفان نوح(عليه السلام)، ثمّ أخرجها الشيطان في عهد الجاهلية ودعا الناس إلى عبادتها
وفي كيفية تقسيم هذه الأصنام على القبائل العربية في الجاهلية، قال البعض: إنّ الصنم (ود) قد اتّخذته قبيلة بني كلب في أراضي دومة الجندل، وهي مدينة قريبة من تبوك تدعي اليوم بالجوف، واتّخذت قبيلة هديل (سواعاً) وكانت 
في بقاع رهاط، واتّخذت قبيلة بني قطيف أو قبيلة بني مذحج (يغوث)، وأمّا همدان فاتّخذت (يعوق)، واتّخذت قبيلة ذي الكلاع (نسراً)، وهي قبائل حمير(2)).
وعلى كل حال، فإنّ ثلاثة منها أي (يغوث ويعوق ونسر) وكانت في اليمن ولكنّها اندثرت عندما سيطر ذو نؤاس على اليمن، واعتنق أهلها اليهودية).
يقول المؤرخ الشهير الواقدي: كان الصنم (ود) على صورة رجل، و (سواع) على صورة امرأة و(يغوث) على صورة أسد و(يعوق) على صورة فرس و(نسر) على صورة نسر (الطائر المعروف).(3))
وبالطبع أنّ هناك أصنام أُخرى كانت لعرب الجاهلية، منها "هبل" الذي كان من أكبر أصنامها التي وضعوها داخل الكعبة، وكان طوله 18 ذراعاً، والصنم (أساف) المقابل للحجر الأسود، والصنم (نائلة) الذي كان مقابل الركن اليماني (الزاوية الجنوبية للكعبة) وكذلك كانت (اللات) و (العزى)(4))
ثمّ يضيف عن لسان نوح(عليه السلام): (وقد أضلوا ولا تزد الظالمين إلاّ ضلالاً)المراد من زيادة الضلال للظالمين هو الدعاء بسلب التوفيق الإلهي منهم: ليكون سبباً في تعاستهم، أو أنّه دعاء منه أن يجازيهم اللّه بكفرهم وظلمهم ويسلبهم نور الإيمان، ولتحلّ محله ظلمة الكفر....
ــــــــــــــــــــــــــــ
  1ـ مجمع البيان، ج10، ص364، وأعلام القرآن، ص131.1
  2ـ المصدر السابق.
  3ـ مجمع البيان، ج10، ص364.3
4 ـ المصدر السابق.
 المصدر: تفسير الأمثل.