كهيعص والحروف المقطعة في القرآن

كهيعص والحروف المقطعة في القرآن

 

   قال الله تعالى:

كهيعص ﴿۱﴾

ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴿۲﴾

إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا ﴿۳﴾ مريم

 

   هذه الأحرف المقطَّعة تسمى الأحرف النورانية وتوجد في 29سورة من سِور القرآن الكريم.

 وهي تؤدي دور أدوات تنبيه ، يعني أن الله تعالى ينبه الذهن البشري أولاً ، ثم يُلقى إليه آياته , ومن أدوات التنبيه في العربية: ألا ، فهي أداة أو حرف ليس لها معنى ، لكن تُنبِّه الذهن وتفتحه لما يلقى اليه بعدها.

 

 وهي تؤدي دور التحدي ، فهي تعني أن القرآن الكريم يتكون من هذه الحروف الأبجدية ، وهي بين أيديكم وفيكم أدباء وبلغاء ، فأتوا بمثله! فهي تحدٍّ للناس بأبجديتهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن الكريم.

 

 ومن ناحية ثالثة ، تتضمن الحروف المقطعة علوماً وتحوي أسراراً ، يعرفها أهلها وهم النبي والعترة صلوات الله عليهم.

   وهذه الأبعاد الثلاثة للحروف المقطعة كلها صحيحة ، وقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام وأن فيها علماً ويُسمى علم الحروف ، كما أن هناك علم الأعداد.

  لكن الذين يدعون أن لهم معرفة بِعلمي الحروف والأعداد ، لا نجد عندهم  إلا الظنون والإحتمالات. ومايُسمىِّ بالأبراج والطالع وغيرها فلا بضاعة عند أصحابه إلا الظنون.

  أما علماء علم الحروف والأعداد فهم النبي’وأهل بيته عليه وعليهم السلام ، لأن الله أورثهم علم الكتاب ، ولأنه نزل في بيوتهم ، وصاحب الدار أدرى بالذي فيه.

وهذا معنى قول الإمام الباقرعليه السلام للمفسر المعروف قتادة: (ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به).

  والحديث كاملاً في الكافي:8/311: (دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه السلام فقال: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة ؟ قال: هكذا يزعمون فقال أبو جعفرعليه السلام : بلغني أنك تفسر القرآن ؟

   فقال له قتادة: نعم ، فقال له أبو جعفرعليه السلام  بعلم تفسره أم بجهل ؟ قال: لا بعلم ، فقال له أبو جعفرعليه السلام: فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت! وأنا أسألك.

  قال قتادة: سل. قال: أخبرني عن قول الله عز وجل في سبأ: وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين؟ فقال قتادة: ذلك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت كان آمناً حتى يرجع إلى أهله ، فقال أبو جعفر×: نشدتك الله يا قتادة هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ، ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه ؟  قال قتادة: اللهم نعم ، فقال أبو جعفر: ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت! ويحك يا قتادة ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفاً بحقنا يهوانا قلبه كما قال الله عز وجل: واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم. ولم يعن البيت فيقول: إليه. فنحن والله دعوة إبراهيم التي من هوانا قلبه قبلت حجته وإلا فلا ، يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمناً من عذاب جهنم يوم القيامة.

 قال قتادة: لا جرم والله لا فسرتها إلا هكذا ، فقال أبو جعفرعليه السلام : ويحك يا قتادة ، إنما يعرف القرآن من خوطب به).

  إذن أهل البيت عليهم  السلام الذين عندهم علوم القرآن وعلم الكتاب ، أما غيرهم حتى علماء التفسير فلا يملكون إلا الإحتمالات.

 وسيأتي أن معانيها قضية الإمام الحسين عليه السلام.

 

   ثُم قالت الآية الكريمة:ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا. وهذه الفقرة تعتبر عنواناً ، ومتناً. مثل البسملة ، فكما هي ابتداء لِكل سورة ، فهي أيضاً متنٌ متصل بما بعده. وهذه الطريقة واحدة من ابتكارات القرآن الكريم التي تحدّى بها قريشاً والعرب , وكم من ابتكار بلاغي في القرآن ، لم تكن له سابقة حتى عند فطاحل شعرائهم وأدبائهم.

 وعند أهل البيت عليهم السلام ابتكارات من هذا النوع أيضاً ، فهم القرآن الناطق وعدل القرآن ، منها قول علي×: ماعدا مما بدا! عندما خاطب الزبيرفي حرب الجمل فقال له:عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق فما عدا مما بدا ؟! فذهبت مثلاً.

ومن ذلك قوله عليه السلام يصف تناسيهم إدارته لحروب الردة والفتوحات فقال: ثم نسبت قريش تلك الفتوح الى تدبير ولاتها ، ونسينا فيمن نسي ، وأكل الدهر علينا وشرب! ومن ذلك قوله: أما بعد. ولم يقلها أحد غيره. ومن ذلك قوله×: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة. فهو من إبتكاراته ، صلوات الله عليه.

  وزكريا النبي عليه السلام كان في عهد الإستعمار الروماني للمنطقة.  وكان اليهود تحت حكمهم ، وأكثرهم عملاء لهم. وقد اعترفوا بزكريا واحداً من 28 عضواً كانت لهم تولية بيت المقدس.وكان زكريا عديل نبي الله عمران’فزوجته اليصابات أم مريم أخت أليشاع أم يحيى.وكلاهما لم يرزق بأولاد إلا على كِبَر.  وقد رزق عمران بعدما بلغ من العمر سبعين عاماً كما روي ، وحملت زوجته اليصابات فولدت بالسيدة مريم عليها السلام .

  وبلغ زكريا ثمانين عاماً ولم يُرزق بولد ، فلما رأى مريم طفلة في المحراب تعبد ربها ويأتيها رزقها ، هُنالك دعا زكريا ربه وطلب منه أن يرزقه ذرية ، ولم يكن قدطلب منه طول هذه المدة!  فرزقه الله تعالى يحيا وجعله نبياً..

   من روايات أهل البيت عليهم السلام في تفسيركهيعص:

    إن الحروف المقطعة في أوائل السور ، فيها علوم لا يعرفها إلا النبي‘وأهل بيته^الذي أورثهم الله علم الكتاب ، وسوف يكشفها الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

  قال في المناقب (1/261):(قال المفسرون:حروف المعجم في أوايل السور سر الله، وكذلك يستخرج من كهيعص إسم علي وفاطمة ، وفي حم ثلاثة أحرف من محمد،وفي طه حرفان من فاطمة،وفي يس حرفان من الحسن والحسين.

بأربعةٍ كلٌّ يسمى محمداً

 

وأربعةٌ أسماؤهم كلهم علي

وبالحسنين والحسين وجعفر

 

 وموسى أجرني ، إنني لهم ولي

وحروف أسمائهم اثنان وأربعون، المكرر منها ثمانية وعشرون ، وغير المكرر اثنا عشر وهي: علي حسن مجد رؤوف. وحروف المنقط من محمد إلى محمد اثنا عشر: عليان ، موسى ، جعفر ، حسنان ، محمدان ، عليان ، الرضا والقائم).

  وجاء في رواية سعد بن عبد الله الأشعري عن صاحب الزمان صلوات الله عليه (كمال الدين/461) قال: (قلت: فأخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل  كهيعص؟ قال: هذه الحروف من أنباء الغيب ، أطلع الله عليها عبده زكريا ، ثم قصها على محمد‘، وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إياها ، فكان زكريا إذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين سُرِّيَ عنه همه ، وانجلى كربه ، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة ، ووقعت عليه البهرة ( أي البهتة) فقال ذات يوم: يا إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسليت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي ؟

فأنبأه الله تعالى عن قصته وقال: كهيعص. فالكاف: إسم كربلاء. والهاء: هلاك العترة. والياء: يزيد ، وهو ظالم الحسين× والعين: عطشه. والصاد: صبره.

فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيها الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته: إلهي أتفجع خير خلقك بولده! إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه! إلهي أتلبس علياً وفاطمة ثياب هذه المصيبة! إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما! ثم كان يقول: اللهم ارزقني ولداً تقر به عيني على الكبر ، وأجعله وارثاً ووصياً ، واجعل محله مني محل الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ، ثم فجعني به كما تفجع محمداً حبيبك بولده! فرزقه الله يحيى وفجعه به ، وكان حمل يحيى ستة أشهر ، وحمل الحسين عليه السلام كذلك)

وفي المناقب(3/238): قال الإمام زين العابدين عليه السلام :(خرجنا مع الحسين فما نزل منزلاً ولا ارتحل عنه إلا وذكر يحيى بن زكريا. وقال يوماً: من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل!

  وفي حديث مقاتل عن زين العابدين عليه السلام : أن امرأة ملك بني إسرائيل كبرت وأرادت أن تزوج بنتها منه للملك ، فاستشار الملك يحيى بن زكريا فنهاه عن ذلك ، فعرفت المرأة ذلك وزينت بنتها وبعثتها إلى الملك ، فذهبت ولعبت بين يديه ، فقال لها الملك: ما حاجتك ؟ قالت: رأس يحيى بن زكريا!

  فقال الملك: يا بنية حاجة غير هذه ، قالت: ما أريد غيره!

  وكان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملكه فخير بين ملكه وبين قتل يحيى فقتله!  ثم بعث برأسه إليها في طشت من ذهب ، فأمرت الأرض فأخذتها ، وسلط الله عليهم بخت نصر فجعل يرمي عليهم بالمجانيق ولا تعمل شيئاً ، فخرجت عليه عجوز من المدينة فقالت: أيها الملك ، إن هذه مدينة الأنبياء لا تنفتح إلا بما أدلك عليه ، قال: لك ما سألت. قالت: إرمها بالخبث والعذرة ، ففعل فتقطعت فدخلها فقال: علي بالعجوز ، فقال لها: ما حاجتك ؟ قالت: في المدينة دم يغلي فاقتل عليه حتى يسكن. فقتل عليه سبعين ألفا حتى سكن

فسلام عليهم جميعا يوم ولدوا ويوم استشهدوا ويوم يبعثون احياءا

حسين عبيد القريشي

دار القرآن الكريم

وكالة ق للأنباء العالمية في قم المقدسة