الإسراء والمعراج حقيقة قرآنية ثابتة

                                             

إِنَّ الإختلاف في تاريخ وقوع الإسراء المعراج لا ينفي أصل الحادثة؛ فهو مسلم صرّح به القرآن الكريم والروايات الشريفة. قال السيد الطباطبائي في الميزان: (إن أصل الإسراء مما لا سبيل إلى إنكاره فقد نص عليه القرآن وتواترت عليه الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من أهل بيته عليهم السلام)(1).

ولو قيل بتعدد المعارج لرسول الله صلى الله عليه وآله فسيكون الجمع بين الأقوال سهل، إذ يشير كل قول لأحد هذه المعارج.

وعلى القول بكونه واحد أو أن الذي ينقل تاريخيا في الحديث مع قريش وتكذيبهم إياه هو المقصود فلابد من تحديد تأريخه، ولابد من الإشارة إلى أنه قبل الهجرة والقول بأنه بعد الهجرة بعيد(2)

و أرجح الأقوال أن النبي صلى الله عليه وآله أسرى به ليلة السابعة والعشرين من رجب من السنة الخامسة من البعثة (اختلف البعض في حساب البعثة فابن عباس لا يحسب الثلاث سنوات الأولى، على اعتبار: أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما أُمر بإنذار الناس بعدها)(3)

ويؤيد ذلك أمور:

1- روي عن الصحابي الجليل ابن عباس أن ذلك كان بعد البعثة بسنتين(4) لم يكن معه صلى الله عليه وآله وسلم حين معراجه حتى يكون شاهدًا بـتـاريخه حيث أدرك مدة قصيرة من حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, لكننا نعلم أن أكثر علمه هو من علم علي عليه السلام فيبدو أنه ينقله عنه عليه السلام  إلا أن النقل اختلف عنهما بين الاثنين والثلاث.(5)

ونذكّر أن ابن عباس لا يحسب الثلاث سنوات الأولى، على اعتبار: أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما أُمر بإنذار الناس بعدها كما مر قريبا.

2- إن سورة الإسراء قد نزلت في أوائل البعثة(6)

3- روى القطب الراوندي في (الخرائج والجرائح) عـن الإمام على صلى الله عليه وآله وسلم أنه: لما كان بعد ثلاث سنين من مبعثه صلى الله عليه وآله وسلم أسريَ به إلى بيت المقدس وعرج به منه إلى السماء ليلة المعراج, فلما أصبح من ليلته حدث قريشًا بخبر معراجه(7).

4- ما روي عن: ابن عباس، وسعد بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، والإمام الصادق عليه السلام، وعمر بن الخطاب، وعائشة، من أنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال لعائشة - حينما عاتبته على كثرة تقبيله ابنته سيدة النساء فاطمة عليها السلام: نعم يا عائشة، لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبرئيل الجنة، فناولني منها تفاحة، فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلما نزلت واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النطفة؛ ففاطمة حوراء إنسية، وكلما اشتقت إلى الجنة قبلتها(8).

ومولد السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام بعد البعثة بخمس سنوات.

5- إن سورة النجم قد نزلت أيضا في أوائل البعثة(9)

هل الإسراء بالجسد أم بالروح؟

يؤكد كبار علماء الإسلام من الشيعة والسنة أن الإسراء والمعراج كانا بالروح والجسد معًا(10). ونقل العلامة الطبرسي في تفسيره القيم مجمع البيان إجماع علماء الشيعة على جسمانية المعراج (11).

وقال العلامة المجلسي: "إعلم أن عروجه صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس ثم إلى السماء في ليلة واحدة بجسده الشريف، مما دلت عليه الآيات والأخبار المتواترة من طرق الخاصة والعامة، وإنكار أمثال ذلك أو تأويلها بالعروج الروحاني أو بكونه في المنام ينشأ إما من قلة التتبع في آثار الأئمة الطاهرين عليهم السلام أو من ضعف اليقين"(12).

وروى البخاري بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما، حين فسر قوله تبارك وتعالى: "وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس"، قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس(13).

ويمكن أن يستدل على ذلك:

1- ظاهر آية الإسراء، وكذلك سورة النجم، إن الذي أسري به كان شخص الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم المشتمل على الروح والجسد.

2- إن إنكار المشركين قضية الإسراء بشدّة بل اتخذوها ذريعة للاستهزاء به، وهذا يناسب إن ما ادّعاه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو الإسراء بالروح والجسد.

3-  أشارت بعض الروايات إلى ذلك ومنه:

1- عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "جاء جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ واحد باللّجام وواحد بالركاب وسوّى الآخر عليه ثيابه..."(14).

2- عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "لمّا أسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس حمله جبرئيل على البراق، فأتيا بيت المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياء وصلى بها ورده..."(15).

4- إن الإسراء لو كان بالروح لما كانت حاجة إلى مثل البراق، وقال العلامة الطبرسي في مجمع البيان: "وما قاله بعضهم أن ذلك كان في النوم فظاهر البطلان إذ لا معجز يكون فيه ولا برهان"(16).

كم مرّة عُرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء؟

جاء في رواية عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: "عُرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء أكثر من مائة وعشرين مرّة"(17).

وفي رواية أخرى: "عن علي بن أبي حمزة قال: سأل أبو بصير أبا عبد الله عليه السلام وأنا حاضر فقال: جعلت فداك كم عرج برسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: مرتين"(18)

ربما المقصود بالمرتين في مكة والبواقي في المدينة، أو المرتان إلى العرش والباقي إلى السماء؟ أو المرتان ما أخبر بما جرى فيها والبواقي لم يخبر بها - على ما قيل.

لماذا كان الإسراء إلى المسجد الأقصى؟

بيت المقدس ملتقى الدّيانتين المسيحية واليهوديّة، فيمكن أن يكون الإسراء إلى المسجد الأقصى يوضح عالمية الرسالة الإسلامية، وبيان وحدة الأديان في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

وصلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأنبياء إمامًا لبيان فضله وعلو منزلته وتأكيد أواصر القربى بين الأنبياء كافَّة ووحدة هدفهم، كما إنه مكان مبارك أحاطه الله جل وعلا بالبركات فهو مهبط الوحي والملائكة، ومحراب الأنبياء.

قال تعالى: ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ الإسراء: (19).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1 ــ تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، 13 ص 32، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم المقدسة.

2 ـ شرح الشفاء للقاري ج 1 ص 222.

3ـــالصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، السيد جعفر مرتضى العاملي، الجزء الثالث ص9، الطبعة الرابعة، 1415 هـ.

4 ـ راجع: المناقب لابن شهرآشوب ج 1ص 177، وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 26. حيث ذكر ذلك بعد المبعث، وقبل الإنذار.

5 ــ موسوعة التاريخ الإسلامي / ج1، الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي، مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة: الأولى 1417 هـ الفصل الخامس تاريخ المعراج والإسراء.

6 ــ راجع: تفسير مجمع البيان، الشيخ فضل بن حسن الطبرسي (460 هـ - 548هـ) الجزء: 10 ص 211، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان 1415هـ. ويؤيد ذلك:

أ- ما رواه البخاري وغيره، من أن قوله تعالى في سورة الإسراء: "ولا تجهر بصلاتك، ولا تخافت بها" قد نزل بمكة، ورسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" مختف. (صحيح البخاري طبع سنة 1309هـ ج 3 ص 99). واختفاء النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" في دار الأرقم إنما كان في أوائل البعثة.

ب- إن سورة الإسراء قد نزلت بعد الحجر بثلاث سور (راجع: الإتقان ج 1 ص 11، وتاريخ القرآن للزنجاني ص 37). وسورة الحجر قد نزلت في المرحلة السرية.

7ـــ الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي (573 هـ)، ج1 ص 141، قم المقدسة.

8 ـ تاريخ بغداد ج 5 ص 87، ومقتل الحسين للخوارزمي ص 63 / 64 وذخائر العقبى ص 36، وميزان الاعتدال ج2 ص 297 و 160، ومستدرك الحاكم ج 3 ص 165، وكنز العمال ج 14 ص 97 وج 3 ص 94، وينابيع المودة ص 97، ونور الأبصار ص 44 و 45 وعلل الشرائع ص 72. نقلا عن الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، السيد جعفر مرتضى العاملي، الجزء الثالث ص10.

9 ــ راجع: تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي الجزء: 10 ص 211.

10 ـ الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 8 - ص 395.

11 ـ راجع: مجمع البيان في تفسير القرآن، العلامة الطبرسي، ج 6 ص 395، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان 1995 م.

12 ـ بحار الأنوار، ج 18، ص 289.

13ـ راجع: صحيح البخاري، البخاري، ج5 ص228، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع 1981 م.

14ـ تفسير القمّي، علي بن إبراهيم القمي، ج 2 ص 3، ، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، منشورات مكتبة الهدى.

15ـ أمالي الصدوق 363 ب 69.

16ـ راجع: مجمع البيان في تفسير القران، العلامة الطبرسي، ج 6 ص 395.

17ـ بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، ص 99، تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي، منشورات الأعلمي - طهران، 1404.

18ـ الكافي، الشيخ الكليني، ج1 ص 442، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الخامسة، دار الكتب الإسلامية - طهران.

المصدرحوزة الإمام أمير المؤمنين (ع) الدينية