لماذا وجبت التبعية من الفقهاء باعتبار أن أهل البيت (ع) هم أهل الذكر ؟

هل في التفقه و تعلم الدين يمكن الرجوع إلى غير المعصوم؟ ما الدليل؟ خاصة باعتبار أن أهل البيت (ع) هم أهل الذكر الذي ذكرهم القرآن الكريم

الجواب:

لقد فسر أهل الذكر في قوله تعالى "ف{َسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْر}" بالمعصومين (ع) و هم يمثلون المصداق الأكمل لأهل الذكر. و لكن لا يستنبط الحصر من الآية؛ إذ معنى أهل الذكر واسع و يشمل جميع أولئك الذين يحضون بمزيد من العلم و المعرفة. فالآية إرشاد إلى أصل عام عقلائي و هو وجوب رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة، و ليس ما تتضمنه من الحكم حكما تعبديا، و لا أمر الجاهل بالسؤال عن العالم و لا بالسؤال عن خصوص أهل الذكر أمرا مولويا تشريعيا و هو ظاهر.

 يقول العلامة الطباطبائي في تفسير هذه الآية:

 الآية إرشاد إلى أصل عام عقلائي و هو وجوب رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة، و ليس ما تتضمنه من الحكم حكما تعبديا، و لا أمر الجاهل بالسؤال عن العالم و لا بالسؤال عن خصوص أهل الذكر أمرا مولويا تشريعيا و هو ظاهر.[1]

من أجل إعطاء مزيد من الشرح نقدم بين يديك ملخصا مما جاء في التفاسير في هذا الخصوص:

لقد وردت روايات كثيرة في تفسير قوله "فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْر" منها ما روی عن الإمام الرضا (ع) حيث سئله الراوي و قال: سَأَلْتُ الرِّضَا (ع) فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فَقَالَ نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ و نَحْنُ الْمَسْئُولُونَ قُلْتُ فَأَنْتُمُ الْمَسْئُولُونَ و نَحْنُ السَّائِلُونَ قَالَ نَعَمْ قُلْت‏.[2] و جاء في رواية أخرى عن الإمام الصادق (ع): رَسُولُ اللَّهِ (ص) الذِّكْرُ و أَهْلُ بَيْتِهِ (ع) الْمَسْئُولُونَ و هُمْ أَهْلُ الذِّكْرِ.[3] و کذلك جاء في رواية أخرى عن الإمام الرضا (ع) : "نَعَمْ الذِّكْرُ رَسُولُ اللَّهِ ص و نَحْنُ أَهْلُه‏".[4] و هناك روايات كثيرة بهذا المضمون… .[5]

في الروايات التفسيرية للقرآن الكريم ذكرت مصاديق محددة لأهل الذكر و لكن هذه الروايات لا تحدد معنى الآية الواسع و كما قلنا آنفا: إن الذكر بمعنى العلم و المعرفة فعبارة أهل الذكر تشمل جميع أهل الذكر و المعرفة.

و لكن بما أن القرآن يمثل المصداق البارز للعلم و المعرفة سمي بالذكر كما أن النبي الأعظم (ص) يمثل مصداقا واضحا للذكر. فأئمتنا المعصومون الذين هم أهل بيت النبي (ص) و ورثة علمه، يمثلون أوضح مصداق لأهل الذكر.

و لكن القبول بهذه الحقيقة لا يتعارض مع عموم مفهوم الآية و نزولها في حق علماء أهل الكتاب، و لهذا استدل علماء الأصول و فقهاؤنا بهذه الآية في أبحاث الاجتهاد و التقليد على و جوب تقليد غير أهل العلم من العلماء و المجتهدين في المسائل الدينية.

على أي حال إن الآية محل البحث تشير إلى أصل أساسي إسلامي في جميع أبعاد الحياة المادية و المعنوية و تؤكد على جميع المسلمين أن يسألوا ذوي الاطلاع عما لا يعلمون، و لا يتدخلون بنفسهم في ما لا يعلمون.

إذن قضية "التخصص" ليست قضية اعترف بها القرآن في المسائل الإسلامية و الدينية و حسب، بل قد أقرها و أكد عليها في جميع المجالات. و من هذا المنطلق لابد للمجتمع الإسلامي أن يتمتع في كل عصر و زمان بالعلماء و الخبراء في مختلف المجالات اللازمة، حتى يراجعهم عموم الناس في ما لا يعلمون.

و حري بالذكر أنه يجب مراجعة المتخصصين و الخبراء الذين ثبت صدقهم و سلامتهم و حياديتهم. فهل نحن نراجع طبيبا حاذقا و متخصصا و لكنه مشكوك في صدقه و أمانته؟! و لهذا في موضوع التقليد و المرجعية قد أردفت صفة العدالة إلى جانب الاجتهاد و الأعلمية، فلابد لمرجع التقليد أن يكون عالما و عارفا بالمسائل الإسلامية و كذلك يكون متقيا و ورعا.[6]

 

هوامش 


[1]. طباطبايى، سيد محمد حسين، الميزان فى تفسير القرآن، ج 12، ص 259، دفتر انتشارات اسلامى، قم، 1417 ق.

[2]. الكليني، الكافي ج 1، ص 210- 211، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 ش.

[3]. المصدر نفسه ص 211.

[4]. الشيخ الحر العاملي، محمد بن حسن، و سائل الشيعة، ج 27، ص 73، مؤسسة آل البيت (ع)، قم، 1409 ق‏.

[5]. ر.ک، کلینی، کافی ج 1،ص 210، َبابُ أَنَّ أَهْلَ الذِّكْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ الْخَلْقَ بِسُؤَالِهِمْ هُمُ الْأَئِمَّةُ ع.

[6]. راجع، المكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج 8 ص 199ـ 200، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، قم، 1421 ق.

 

www.islamquest.neالمصدر: