جاذبية القرآن المتميّزة



يقول اللَّه تعالى في الآية 21 من سورة الحشر:
«لَوْ أنْزَلنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى‌ جَبَلٍ لَرَأيْتَهُ خَاشِعاً مُتصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُهَا للنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرونَ».
تصوير البحث
هذا المثل يتعلَّق بالجاذبية الخارقة للطبيعة التي يتمتّع بها القرآن، وقد شبَّه اللَّه تعالى قدرة النفوذ المعنوي لكلامه في الانسان بخضوع وخشوع الجبال أمام القرآن، بحيث لو نزِّل هذا القرآن على الجبال لخشعت وخضعت له؛ خوفاً من اللَّه ورهبة منه. ثمّ يعتبر التعقّل والتفكر في آيات اللَّه هو الهدف من أمثال القرآن.
جاذبية القرآن العجيبة
سيرة الرسول صلى الله عليه و آله تكشف عن أن المشركين كانوا يخافون من جاذبية القرآن القوية. وقد بيَّن القرآن خوفهم هذا في الآية 26 من سورة فصّلت كالتالي:
«وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرآنَ والغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ».
نعم، كانت جاذبية القرآن كبيرة جداً وكان خوفهم بدرجة حيث كانوا يوجدون ضوضاءً عند تلاوته من قبل الرسول صلى الله عليه و آله، لكي لا تصل كلماته إلى أسماع الناس، وغاية ما كانوا

يفعلونه في هذا المجال أنَّهم كانوا يوصون من يدخل المسجد الحرام بوضع قطنة في اذنه لكي لا يسمع شيئاً من كلام الرسول صلى الله عليه و آله ويُسحر به «1».
ومن المؤسف أن هذا المنهج بأساليبه المتقدِّمة متَّبع حالياً، سعياً للحؤول دون بلوغ صوت الحق أسماع الناس.
بعض التُّهم التي ألصقها المشركون بالرسول صلى الله عليه و آله تكشف عن هذا المعنى‌، منها: تهمة السحر التي أشارت إليها الآية الثانية من سورة يونس:
«قَالَ الكَافِرُونَ إنَّ هذَا لسَاحِرٌ مُبينٌ».
الشرح والتفسير
«لَوْ أنْزَلْنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى‌ جَبلٍ لَرَأيْتَهُ خَاشِعاً مُتصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ».
نعم، لو أن هذا القرآن كان قد نزل على الجبال لتلاشت، لكن الانسان الغافل يسمعه يُتلى‌ على لسان الرسول صلى الله عليه و آله ثلاثة وعشرين عاماً، وقلبه لا يتأثر به، وكأنَّه أقسى‌ من الحجر.
وردت نظريتان في تفسير الآية الشريفة:
الاولى‌: لو كان للجبال عقل وإحساس وقابلية للاستيعاب والفهم وأنزلنا عليها هذا القرآن لخشعت، أي أنَّ الآية قضية شرطية لتنبيه الانسان، وأنَّ المفروض بالانسان أن يخشع قلبه للقرآن إذا كان له عقل، لكنَّه لا يخشع للقرآن ولا يخضع له لماذا «2»؟
الثانية: الآية ليست قضية شرطية بل حقيقة؛ لأن لجميع الموجودات إدراكاً وإحساساً يناسبه «3». وهذا المعنى‌ انعكس في آيات عديدة، منها: الآية الاولى‌ من سورة التغابن، إذ جاء هناك:
«يُسَبِّحُ للَّهِ مَا فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأرْضِ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى‌ كُلِّ شَي‌ءٍ قَدِيرٌ».

ولو لم يكن للموجودات عقل وإدراك متناسب معها لما كان هناك معنى‌ لتسبيحها، بل هي تدرك فتسبح وتقدّس وتحمد وتثني، لكنا لا ندرك تسبيحها وتقديسها وذكرها، أمَّا الذي يتمتّع بحالة شهود عالم الباطن فيسمع تسبيح الموجودات ويفهمها.
الآية تندرج في أمثال القرآن طبقاً للتفسير الاول، لكنها تخرج عن موضوع بحثنا طبقاً للتفسير الثاني.
الآية 31 من سورة الرعد التي وردت في تأثير القرآن شاهد على التفسير الاول، وقد جاء فيها ما يلي:
«وَلَوْ أنَّ قُرآناً سُيِّرت بِهِ الجبالُ أوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتَى‌ بَل للَّهِ الأمْرُ جَمِيعاً».
في شأن نزول هذه الآية يرى‌ بعض الفطاحل أنَّها نزلت جواباً على بعض مشركي مكة حيث جلسوا خلف الكعبة واستدعوا الرسول صلى الله عليه و آله، فقدم إليهم أملًا في هدايتهم.
قال له المشركون: إذا أردت أن نتّبعك فعليك إبعاد جبال مكة، لكي تتسع من خلال ذلك أراضينا، وعليك كذلك تفجير الأرض وجعل ينابيع وأنهاراً فيها، فنغرس أشجاراً ونزرع، فإنك- كما تزعم- لست أدنى‌ من داود الذي سخّر اللَّه له الجبال وكانت تسبّح معه «1»، أو سخِّر لنا الريح تنقلنا إلى الشام نحلُّ مشاكلنا ونؤمّن حاجياتنا ونرجع في ذات اليوم، كما سخَّره اللَّه لسليمان، وأنت- كما تزعم- لست أقل من سليمان، كما عليك إحياء جدّك قصي (من أجداد قريش) أو أيّ شخص آخر من الموتى‌، لكي نسأله عمَّا تدعو له من أنَّه حق أو باطل؛ لأن عيسى‌ عليه السلام كان يحيي الموتى‌، وأنت- كما تزعم- لست أدنى‌ شأناً من عيسى‌.
عندها نزلت هذه الآية قائلة لهم: ما تقولونه صدر عن عناد ولجاجة لا سعياً للايمان بالرسول، ويكفي الرسول صلى الله عليه و آله ما لديه من معاجز «2».

خطاب الآية
هيبة القرآن وعظمته
هذه الآية تحكي هيبة القرآن وعظمته، وهي بدرجة تجعل الجبال متصدّعة، ومع هذا كيف هو حال الذين يُقرأ عليهم هذا القرآن متواصلًا دون أن يؤثر فيهم أدنى‌ تأثير، إن قلوب هؤلاء أكثر قساوة من الحجر.
إلهي، زدنا علماً بالقرآن، واجعل كل آية منه سبباً لزيادة ايماننا.

المصدر: أمثال القرآن