الصحابة في القرآن الكريم

 

 تعرّض القرآن الكريم لأحوال الصحابة وصفاتهم منذ بداية بعثة النبي ’ وحتى وفاته... في كثيرٍ من سوره وآياته...

وقسّم القرآن الكريم الملتّفين حول النبي ‘ ـ في مقابل الكافرين والذين أُوتوا الكتاب ـ إلى ثلاثة طوائف هم :

1 ـ الذين آمنوا .

2 ـ الذين في قلوبهم مرض .

3 ـ المنافقون .

والجدير بالدراسة والبحث وجود عنوان «الذين في قلوبهم مرض» إلى جنب «الذين آمنوا» في بعض السور المكية .

ففي سورة المدثر ، المكية بالاجماع ، وهي من أوليات السور ، جاء قوله تعالى : ( وَما جَعلنا أصحَابَ النَّارِ إلاّ مَلائكةً * وما جَعلنَا عِدّتهُم إلاّ فِتنَةً للَّذينَ كَفرُوا ليستيقِنَ الَّذينَ أُوتُوا الكِتابَ ويَزدادَ الَّذينَ آمَنُوا إيماناً ولايَرتَابَ الَّذينَ أُوتُوا الكِتابَ والمؤمنُونَ وليقُولَ الَّذينَ في قُلوبِهمِ مَرضٌ والكافِرونَ ماذا  أرادَاللهُبِهذامَثَلاً...  ) (1).

فقددلّت الآية المباركة على وجود أُناس «في قلوبهم مرض» حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ الاَيام الاُولى من الدعوة الاِسلامية ، و «المرض» بأي معنىً فسّر ، فهؤلاء غير المنافقين الذين ظهروا بالمدينة المنورة ، قال الله تعالى : (وممّن حولكم من الاَعراب ومن أهل المدينة... ) (2).

فالذين في قلوبهم مرض لازموا النبي منذ العهد المكي ، حيث كان الاِسلام ضعيفاً والنبي صلى الله عليه وآله وسلم مطارداً . أما المنافقون فقد ظهروا بعد أن ظهرت شوكة الاِسلام ، فتظاهروا بالاِسلام حفظاً لاَنفسهم وأموالهم وشؤونهم .

وبناءً على هذا ، فكلّ آيةٍ من القرآن الكريم ورد في ظاهرها شيء من الثناء على عموم الصحابة ، فهي ـ لو تمّ الاستدلال بها ـ محفوفة بما يخرجها عن الاطلاق والعموم وتكون مخصّصةً بـ «الذين آمنوا» حقيقةً ، فلا يتوهّم شمولها للذين في قلوبهم مرض ، والمنافقين ، الذين وقع التصريح بذمّهم كذلك في كثيرٍ من الآيات (3).

____________

1) سورة المدثر 74 : 31 .

1) سورة التوبة 9 : 101 .

3) اُنظر تفسير الميزان 20 : 90 .

وأُطلق لفظ الصحابي ـ في الروايات ـ على كلِّ من صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المسلمين ، سواء كان مؤمناً به واقعاً وحقيقة ، أو ظاهراً ، فكان اللفظ شاملاً للمسلم المؤمن وللمسلم المنافق ، سواء كان مشهوراً بنفاقه أو غير مشهور.

 

المعنى اللغوي للصحبة

قال الخليل الفراهيدي : ( كلّ شيء لاءَم شيئاً فقد استصحبه ، والصحابة : مصدر صاحَبَكَ ، الصاحب يكون في حالٍ نعتاً ولكنّه عمّ في الكلام فجرى مجرى الاسم ) (١).

وقال الجوهري : ( كلّ شيء لاءَم شيئاً فقد استصحبه. اصطحب القوم : صَحِبَ بعضهم بعضاً. أصحب : إذا انقاد بعد صعوبة ) (٢).

وقال الراغب الأصفهاني : ( الصاحب : الملازم ... ولا فرق بين أن تكون مصاحبته بالبدن وهو الأصل والأكثر ، أو بالعناية والهمة.

ويقال لمالك الشيء : هو صاحبه ، وكذلك لمن يملك التصرّف فيه.

والمصاحبة والاصطحاب أبلغ من الاجتماع ، لأجل أنّ المصاحبة تقتضي طول لبثة ، فكل اصطحاب اجتماع ، وليس كل اجتماع اصطحاباً ) (٣).

__________________

(١) ترتيب كتاب العين ، للفراهيدي : ٤٤٠ مؤسسة النشر الإسلامي قم ١٤١٤ ه‍ ط ١.

(٢) الصحاح ، للجوهري ١ : ١٦٢ دار العلم للملايين ١٤٠٧ ه‍ ط ٢.

(٣) مفردات ألفاظ القرآن ، للراغب الاصفهاني : ٢٧٥ المكتبة المرتضوية ١٣٧٣ ه‍.

وعلى نحو هذا سار معظم أصحاب اللغة ، ومن خلاله يكون معنى الصاحب هو : الملائم والمعاشر والملازم والمتابع ، ولا يتم ذلك إلاّ باللقاء والاجتماع.

                                       الصحبة في القرآن الكريم :

المعنى اللغوي للصحبة كما تقدم ورد في القرآن الكريم في ألفاظ متعددة تشترك في معنى متقارب ، وهو المعاشرة والملازمة المتحققة بالاجتماع واللقاء واللبث ، دون النظر إلى وحدة الاعتقاد أو وحدة السلوك ، فقد أطلقها القرآن الكريم في خصوص المعاشرة بين مؤمن ومؤمن ، وبين مؤمن وكافر ، وبين كافر وكافر ، وقد أشار إلى ذلك ابن كثير في تفسيره (١).

                                   أولاً : الصحبة بين مؤمن ومؤمن

قال الله تعالى حكاية عن موسى عليه‌السلام في حديثه مع العبد الصالح : ( قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي ) (٢).

فقد أطلق القرآن الصحبة على الملازمة بين موسى عليه‌السلام والخضر عليه‌السلام.

                                ثانياً : الصحبة بين ولد ووالدين مختلفين بالاعتقاد

قال تعالى : ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) (٣).

__________________

(١) تفسير القرآن الكريم ، لابن كثير راجع تفسير الآيات المذكورة.

(٢) سورة الكهف ١٨ : ٧٦.

(٣) سورة لقمان ٣١ : ١٥.

                                  ثالثاً : الصحبة بين رفيقي سفر

قال تعالى: ( ... وَالجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ ... ) (١).

                                 رابعاً : الصحبة بين تابع ومتبوع

قال تعالى : ( ... ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ) (٢).

                                خامساً : الصحبة بين مؤمن وكافر

قال تعالى : ( ... فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا ... قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ) (٣).

                       سادساً : الصحبة بين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقومه وإن كانوا كافرين

قال تعالى : ( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ) (٤).

وقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) (٥).

سابعاً : الصحبة بين كافر وكافرين

قال تعالى : ( فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ ) (٦).

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٣٦.

(٢) سورة التوبة ٩ : ٤٠.

(٣) سورة الكهف ١٨ : ٣٤ ـ ٣٧.

(٤) سورة النجم ٥٣ : ٢.

(٥) سورة الأعراف ٧ : ١٨٤.

(٦) سورة القمر ٥٤ : ٢٩.

ووردت كلمة ( أصحاب ) في القرآن الكريم تدل على معنى اللبث والمكوث ومنها : أصحاب الجنة ، وأصحاب النار ، وأصحاب الكهف ، وأصحاب القرية ، وأصحاب مَدْين ، وأصحاب الأيكة.

ووردت في العلاقة الاضطرارية الوقتية كما في خطاب يوسف عليه‌السلام لصاحبيه في السجن : ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ) (١).

فالصاحب كما ورد في الآيات الكريمة المتقدمة يعني المعاشر والملازم ، ولا تصدق المعاشرة والملازمة إلاّ باللقاء والاجتماع واللبث معاً.

وبالتوفيق بين المعنى اللغوي عند علماء اللغة ، وبين الآيات القرآنية ، يكون معنى الصاحب هو : من كثرت ملازمته ومعاشرته ، وهذا ما نصّ عليه بعضهم كصدّيق حسن خان حيث قال : ( اللغة تقتضي أنَّ الصاحب هو من كثرت ملازمته ) (٢).

__________________

(١) سورة يوسف ١٢ : ٣٩.

(٢) قواعد التحديث ، محمد جمال الدين القاسمي : ٢٠٠ دار الكتب العلمية ١٣٩٩ ه‍ ط١ ـ بيروت ـ عن كتاب : حصول المأمول لصديق حسن خان : ٦٥.

وتعتبر مسألة عدالة الصحابة من المسائل الأساسية التي افترق فيها المسلمون واختلفوا ، فنرى أهل السنة – أو الجزء الأكبر منهم – يرون عدالة الصحابة مطلقاً ، أي كل من رأى الرسول صلى الله عليه وآله ولو لمرة واحدة ، بينما يرى الشيعة أن الصحابة كغيرهم من الناس فيهم المؤمن والمنافق ، والصالح والطالح ، والمخلص والمنقلب على عقبيه ..

ومن يتتبع كتابات المخالفين يجدهم يحاولون التصوير أن القرآن الكريم هو المصدر الأول لنظريتهم ، بل وتكفّر طائفة منهم  ( الوهابيون ومن وافقهم ) كل من ينتقص أحداً منهم ، بحجة الطعن في كتاب الله الذي مدحهم !

فلنلق نظرة سريعة إلى آيات القرآن الكريم التي تحدثت عن الصحابة وأقسامهم ، ومناقشة ما يستدل به أصحابة نظرية عدالة الصحابة ، وعرض الآيات التي تنقض النظرية ..

وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {100} وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ {101} وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {102}

غالباً ما نجد هذه الآية الكريمة في صدارة ما يستدل به المخالفون على عدالة الصحابة ومنزلتهم لما فيها من التبشير بالجنة والفوز العظيم .. وسنتوقف عندها وقفة أطول ، والنقاط المذكورة في مناقشة الاستدلال تسري في بقية الآيات :

- الآية الكريمة تتحدث عن فئة من المهاجرين والأنصار ، ألا وهم (( السابقون الأوّلون )) إلى الإيمان ، وليس جميعهم .

- أما من هم وكم عددهم فليس من الأمور القطعية التي لا خلاف فيها ، فمثلاً هم يدّعون أن الخليفة الأول هو أول من أسلم من الرجال بينما تنص بعض رواياتهم الصحيحة أنه أسلم بعد أربعين !

- كما أن الآية بما فيها من وعد إلهي عظيم لا تشمل من ثبت ارتداده أو انحرافه عن الصراط المستقيم كزوج أم المؤمنين أم حبيبة الأول الذي كان من أوائل المهاجرين ( فقد هاجر إلى الحبشة ) ومع ذلك ارتد بعد ذلك ، فيستثنى من مدلول الآية كل من ثبت – بالأدلة الخاصة - انحرافه عن الخط الذي رسمه النبي (ص) وعدم استحقاقه لهذا المديح .

- يقول ابن حجر العسقلاني – كبير علمائهم - في ( فتح الباري ) حول حديث "أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم" ما نصه :

"قوله : (يغزون مدينة قيصر) يعني القسطنطينية ، قال المهلب : في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر ، ومنقبة لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر وتعقبه ابن التين وابن المنير بما حاصله : أنه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاص إذ لا يختلف أهل العلم أن قوله صلى الله عليه وسلم مغفور لهم مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتى لو ارتد واحد ممن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتفاقا فدل على أن المراد مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم" .

فلماذا يستغرب المخالفون تطبيقنا لنفس القاعدة بخصوص بعض الآيات القرآنية بعدم شمولها إلا المستحق لها .. وكذلك الأمر بالنسبة للكثير من الأحاديث التي وعدت بالثواب الجزيل لمن يؤدي بعض الأعمال ، فهي بلا شك (( بشرطها وشروطها )) .

- إن القتال مع رسول الله (ص) لم يكن لوحده كافياً لضمان الجنة – كما سيأتيك – فكيف بمجرد الهجرة مع أنها أهون من القتال في الحروب ؟

- بماذا يجيب المتمسكون بهذه الآية مستدلين بعموم اللفظ ، وجود آيات أخرى تتحدث عن أهل المدينة عموماً ( والأنصار من أهل المدينة ) بأنهم تخلفوا عن رسول الله (ص) في غزوة تبوك وقد توعد الله بالعذاب الأليم لتاركي الجهاد في هذه الغزوة ( راجع الفقرتين 10 و 21 ) ؟!!

بل الحق أن آية تخلف أهل المدينة عن الجهاد وكذا آيات مدح المهاجرين والأنصار ( أو فئة منهم ) لا تشمل إلا من تنطبق عليه صفاتها واستحق ثوابها أو عقابها .

- روى البخاري في صحيحه :

عن عمر عن رسول الله (ص) أنه قال "يا أيها الناس ، إنما الأعمال بالنيَّة ، وإنما لامرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن هاجر إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه" .

- يجب أن لا نغفل عن الآية التالية لها فهي تصرح بوجود منافقين ضمن أهل المدينة أتقنوا النفاق لدرجة أن النبي صلى الله عليه وآله لم يعلمهم ، فكيف يُحكم على جميع مسلمي أهل المدينة بالإيمان والصلاح بوجود فئة منافقة غير معروفة ؟!

- أضف إلى هذين القسمين ، القسم الثالث وهم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً كما تنص الآية الكريمة ، ففي أي خانة يضع أتباع مدرسة الصحابة هذا القسم ؟

لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {8} وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {9}

وهذه الآية الكريمة أيضاً لا تشمل كل من هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإنما من أخرجهم الكافرون وحرموهم من ديارهم وأموالهم ، وانطبق عليهم ( الابتغاء من فضل الله ) و ( نصرة الله ورسوله ) ، ومجرد الهجرة والانتقال – لا سيما إن كانت لمصالح دنيوية – ليست فضلاً أو سبباً للثناء الإلهي . والآية التالية لها على نفس المنوال في وصف الأنصار المؤمنين رضي الله عنهم .

لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {117}

التوبة كما هو واضح مخصوصة بالـ ( الذين اتبعوه في ساعة العسرة ) ، وليس الهاربين في المعارك ، والعاصين لرسول الله (ص) في غيابه أو محضره ، أضف إلى ذلك أن تحقق التوبة آنذاك لا يستلزم العدالة المطلقة وحسن العاقبة .

مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً {29}الفتح

المعيّة إما أن تكون مكانية فتشمل كل من هم حول رسول الله (ص) بمن فيهم من المتقين والفاسقين والكافرين وهي باطلة قطعاً ، أو أن تكون المعيّة هنا هي معية الاتباع والنصرة وهي الحق وما ينسجم مع الآية الكريمة ، فمن القطعي أن الصفات الواردة في الآية لا تنطبق على كل المسلمين ، فأين الشدة على الكفار في الهروب من المعارك ؟ وأين الرحمة بينهم وقد تسبب بعضهم بقتال الآلاف من المسلمين من الصحابة والتابعين ؟ وأين وأين ... إلخ .

وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {10}

جاء في صحيح البخاري :

عن سهل بن سعد بن سعد الساعدي :"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا ، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ، ومال الآخرون إلى عسكرهم ، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ، لا يدع لهم شاذة ولا فاذة ، إلا اتبعها يضربها بسيفه ، فقالوا : ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إنه من أهل النار . فقال رجل من القوم : أنا صاحبه ، قال : فخرج معه كلما وقف وقف معه ، وإذا أسرع أسرع معه ، قال : فجرح الرجل جرحا شديدا ، فاستعجل الموت ، فوضع نصل سيفه بالأرض ، وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه ، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد أنك رسول الله ، قال : وما ذاك . قال : الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار ، فأعظم الناس ذلك ، فقلت : أنا لكم به ، فخرجت في طلبه ، ثم جرح جرحا شديدا ، فاستعجل الموت ، فوضع نصل سيفه في الأرض ، وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه فقتل نفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة ، فيما يبدو للناس ، وهو من من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار ، فيما يبدو للناس ، وهو من أهل الجنة" .

إذاً فالقتال مشروط بالنية الحسنة والإخلاص في طاعة الله عز وجل ورسوله (ص) .

إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً {10} ... لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً {18}الفتح

رضى الله عن المبايعين تحت الشجرة مختص بالمؤمنين منهم دون المنافقين ، كما أنه مشروط بالوفاء بها كما هو صريح الآية العاشرة من السورة نفسها .

روى البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب عن أبيه :

"لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما ، فقلت : طوبى لك ، صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وبايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن أخي ، إنك لا تدري ما أحدثنا بعده" .

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ {110}

من المخاطب في الآية الكريمة بالأمّة ؟

من القطعي أن ليس كل من تشهد بالشهادتين فهو ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، بل منهم منافقون فاسقون وفي قلوبهم مرض وأمّارون بالمنكر ناهون عن المعروف ..

إذاً فلابد أن تكون الأمة هنا مجموعة معينة منهم ، فلا تصلح الآية للاستدلال بها على عدالة الصحابة جميعاً .

لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ {6} لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ {7} إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ {8} وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ {9} وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ {10}يس

أبعد صراحة هذه الآيات بأنهم لا يؤمنون أبداً نقول أن الطلقاء وقريش كلهم آمنوا – بعد فتح مكة - بمن فيهم من المعادين للرسول والرسالة ونجعلهم من الصحابة العدول الذين لا ينتقص منهم إلا زنديق !!؟

 

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً {25} إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً {26}الفتح

هذه الآية تتحدث عن فتح مكة والانتصار العظيم الذي حققه المسلمون دون خوض معركة مع قريش ، لاحظ أن ما منع المسلمين من الحرب هو وجود قلة مؤمنة في مكة حرص الله على أمنهم ، ولولاهم لنال الطلقاء – من صحابتهم العدول – العذاب الأليم في الدنيا قبل الآخرة ! فاعرف أيها القارئ من هم الطلقاء وما هو حجمهم الحقيقي !!

 

والحمد لله رب العالمين

بحث مقتبس من كتاب الصحابة في القرآن والسنّة والتاريخ

الناشر: مركز الرسالة