لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ

المفروض بالنبي ـ أي نبي كان ـ أن يمثل النموذج الفذ الذي يريده الله تعالى على الأرض وهو الإنسان، بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
فهو رجل الفضل، والعقل، والكمال، ومثال الحكمة، والوقار والجلال. عالم، حكيم، تقي، شجاع، حازم، إلى غير ذلك من صفات إنسانية فاضلة، وكمالات رفيعة. لا ترى في أعماله أي خلل أو ضعف، أو ضعة، ولا في تصرفاته أي تشتت أو تناقض.

وبكلمة: إنه الرجل المعصوم من الخطأ، المبرأ من الزلل، أكمل الخلق وأفضلهم؛ ولأجل ذلك جعل الله تعالى نبينا محمداً «صلى الله عليه وآله» أسوة لبني الإنسان مدى الدهر، وفرض عليهم أن يقتدوا به في كل شيء حتى في جزئيات أفعالهم، فقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ([1]).

                                                دون الخالق فوق الخلائق

إن مقامات النبي « صلى الله عليه وآله » وعترته المعصومين « عليهم السلام » عظيمة يصعب التصديق بها ! فقد أعطاهم الله جلَّتْ قدرته أكثر مما نعرفه ، بل إن تركيبهم العقلي والبدني أرقى من الإنسان العادي وإلا فكيف تفسر أن النبي « صلى الله عليه وآله » ليس له ظل ، وأنه تنام عينه ولا ينام قلبه ، وأنه يرى من خلفه كما يرى من أمامه ، وأن شخصاً شرب من دم حجامته فلم يشب ولم يمرض ؟ ! بل يمكن القول إن الزمان والمكان بالنسبة إليهم غيره بالنسبة إلينا فنحن نرى في النوم أشياء خارج الزمن ، فكيف بهم ؟ وبهذا يمكنهم أن يروا أعمال العباد ببرنامج رباني ، لأنهم المقصودون بقوله تعالى : وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) . ( التوبة : 105

وأما الكرامات فهو أن النبي صلى الله عليه وآله بعث إلى الكافة ، وكان كل نبي بعث

إلى قوم دون قوم ، ولذلك قال عليه السلام بعثت إلى الأسود والأحمر .

وأكرم بأنه شارك الأنبياء كلهم وساواهم في معجزاتهم : إذ كان له حنين

الجذع ، وتسبيح الحصى ، وكلام الضب ، وانشقاق القمر ، وغير ذلك وخص بالقرآن

الذي لم يكن لهم ، وكل نبي إذا مات انقرضت معجزاته إلا نبينا صلى الله عليه وآله فإن

معجزته بقيت إلى الحشر ، وهي القرآن .

ونصر بالرعب فقال عليه السلام : نصرت بالرعب حتى أن العدو لينهزم على مسيرة

شهر ، وجعلت أزواجه أمهات المؤمنين ، وحرم على غيره أن ينكحها بعده بحال .

وكان تنام عيناه ولا ينام قلبه ، وكان يرى من خلفه مثل ما يرى من قدامه

وبين يديه .

                                  أترى هذا هو الرسول؟!:

ولكننا لو راجعنا الروايات التي يُدَّعى: أنها تسجل لنا تاريخ نبي الإسلام «صلى الله عليه وآله».

لوجدنا هذا النبي ـ الذي اصطفاه الله، واختاره من بين جميع خلقه، ووصفه جل وعلا في القرآن الكريم بأنه ﴿لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ([2]) والذي هو أشرف الأنبياء والمرسلين، وأعظم وأكمل رجل وجد على وجه الأرض، وهو عقل الكل، ومدبر الكل، وإمام الكل ـ لوجدناه رجلاً عاجزاً، ومتناقضاً، يتصرف كطفل، ويتكلم كجاهل، يرضى فيكون رضاه ميوعة وسخفاً، ويغضب فيكون غضبه عجزاً واضطراباً، يحتاج دائماً إلى من يعلمه، ويدبر أموره، ويأخذ بيده، ويشرف على شؤونه، ويحل له مشاكله. الكل أعرف، وأقوى، وأعقل منه، كما أثبتته الوقائع المختلفة المزعومة تاريخاً وسيرة لحياته «صلى الله عليه وآله».

وبماذا؟ وكيف نفسر حمل هذا النبي زوجته على عاتقه لتنظر إلى لعب السودان وخده على خدها؟! أو أنها وضعت ذقنها على يده، وصارت تنظر إلى لعب السودان يوم عاشوراء؟!([3]).

ثم هو يترك جيشه لينفرد بزوجته عائشة، ليسابقها في قلب الصحراء أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة، فتسبقه مرة، ويسبقها أخرى، فيقول لها: هذه بتلك([4]).

أضف إلى ذلك: أنه يهوى زوجة ابنه بالتبني، بعد أن رآها في حالة مثيرة([5]) إلى غير ذلك من المرويات الكثيرة جداً التي تتحدث عن تفاصيل في حياته الزوجية، مما نربأ نحن بأنفسنا عن التفوه به، وذكره، فكيف بممارسته وفعله!!

وبماذا وكيف نفسر أيضاً: أن يرى هذا النبي الرأي، فتنزل الآيات القرآنية مفندة لرأيه، ومصوبة لرأي غيره، فيقعد ليبكي وينوح على ما فرط منه؟!!([6]).

وكيف نفسر أيضاً ما يروونه عنه، من أنه مر على سباطة([7]) قوم، فيبول وهو قائم؟([8]) ثم يكون له شيطان يعتريه ـ كما هو لغيره من الناس ـ وكان يأتيه في صورة جبرئيل، وقد أعانه الله على شيطانه هذا فأسلم([9]). وأن شيطانه خير الشياطين؟([10]).

ثم شربه للنبيذ والفضيخ؟([11]).

وكونه أحق بالشك من إبراهيم «عليه السلام»؟([12]).

ثم إنه ينسى ما هو من مهماته وشؤونه، مثل ليلة القدر، وحين يعجز عن تذكرها يأمر الناس بأن يلتمسوها في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك([13]).

كما أنه لا يحفظ سورة الروم جيداً([14]).

وينسى أيضاً أنه جنب([15]) إلى غير ذلك مما لا يمكن تتبعه ولا الإحاطة به لكثرته، مما يزيد في قبحه أضعافاً على ما ذكرناه، مما زخرت به المجاميع الحديثية والتاريخية لدى بعض المذاهب الإسلامية المنتشرة في طول البلاد وعرضها.

نعم.. هكذا تشاء الروايات ـ وكثير منها مدون في الكتب التي يدعي البعض: أنها أصح شيء بعد القرآن ـ أن تصور لنا أعظم رجل، وأكرم وأفضل نبي على وجه الأرض!!

وهذه هي الصورة التي يستطيع أن يستخلصها من يراجع هذا الركام الهائل من المجعولات، إذا كان خالي الذهن من الضوابط والمعايير الحقيقية، والمنطلقات الأساسية، التي لا بد من التوفر عليها في دراسة التاريخ. وكذلك إذا كان لا يعرف شيئاً مما يجب أن يتوفر في الشخصية التي يفترض أن تمثل النموذج الفذ لإرادة الله تعالى على الأرض.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) الآية 21 من سورة الأحزاب.

([2]) الآية 4 من سورة القلم. يحتمل بعض العلماء أن يكون المراد بالخلق: الدين، أو العادة والسنة العظيمة، ولكنه خلاف المتبادر من هذه العبارةوصرف المعنى إليه يحتاج إلى قرينة كما هو معلوم.

([3]) راجع: صحيح البخاري ج1 ص111 وج 2 ص100 و172، وراجع: مسند أحمد ج6 ص56 و57 و83 و85 و166 و186 و242 و247 و270 وراجع: سنن النسائي ج3 ص197 و195 وصحيح مسلم ج3 ص21 و22 وراجع: تاريخ عمر بن الخطاب ص35 وإحياء علوم الدين ج2 ص44 وراجع هوامشه، والتراتيب الإدارية ج2 ص121 و122 والرياض النضرة ج2 ص300 والفتوحات الإسلامية لدحلان: ج2 ص463.

([4]) راجع: صفة الصفوة ج1 ص176 و177 وسنن أبي داود ج3 ص29 و30 والمغازي للواقدي ج2 ص427 وسنن ابن ماجة ج1 ص636 وإحياء علوم الدين ج2 ص44 ومسند أحمد ج6 ص264 و182 و39 و129 و261 و280، والسيرة الحلبية ج2 ص290 وعيون الأخبار لابن قتيبة ج1 ص315 وحياة الصحابة ج2 ص634 والتراتيب الإدارية ج2 ص146 عن المواهب وتلبيس إبليس، وأحمد والنسائي.

([5]) الجامع لأحكام القرآن ج14 ص190 وتاريخ الخميس ج1 ص501 وتفسير البرهان ج3 ص325 و326، ومجمع البيان ج8 ص359 والإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير ص396 وتفسير القمي ج2 ص172 ـ 173 والسيرة الحلبية ج2 ص214 وتفسير غرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج21 ص12 و13 والدر المنثور ج4 ص202 وفتح القدير ج4 ص284 و286 والكشاف ج3 ص540 و541 والطبقات لابن سعد ط صادر ج8 ص101 ومجمع الزوائد ج9 ص247 ولباب التأويل للخازن ج3 ص468 ومدارك التنزيل (مطبوع بهامش الخازن) ج3 ص468 والتبيان ج3 ص312 ونور الثقلين ج4 ص280 و281 ـ 282 وجامع البيان ج21 ص10 ـ 11.

([6]) ستأتي مصادر ذلك في غزوة بدر، فصل الغنائم والأسرى، حين الحديث حول موضوع: لو نزل العذاب ما نجا إلا ابن الخطاب.

([7]) السباطو: المزبلة.

([8]) راجع: المصنف ج1 ص193 وصحيح البخاري ج1 ص34 و35 وسنن ابن ماجة ج1 ص111 و112 وسنن الدارمي ج1 ص171 ومسند أحمد ج4 ص246 وج 5 ص402 و382 و394 والمعجم الصغير ج1 ص229 وج 2 ص266.

([9]) كشف الأستار عن مسند البزار ج3 ص146 وراجع: مشكل الآثار ج1 ص30 و3 والمواهب اللدنية ج1 ص202 والمعجم الصغير ج1 ص71 ومجمع الزوائد ج8 ص269 و225 وراجع: الهدى إلى دين المصطفى ج1 ص169 وحياة الصحابة ج2 ص712 عن مسلم.

([10]) اللآلئ المصنوعة ج1 ص360.

([11]) (الفضيخ: عصير العنب وكذلك هو شراب يتخذ من التمر من غير أن تمسه النار) راجـع: مسند أبي يعلى ج4 ص418 ونقله في هامشه عن مصادر كثيرة ومسند أحمد ج2 ص106 والتراتيب الإدارية ج1 ص102 عن مسلم ووفاء الوفاء ج3 ص822 عـن أحمـد وأبي يعـلى وراجـع: صحيـح مسـلم ج6 ص105 وسنن  = = النسائي ج8 ص333 وسنن ابن ماجة ج2 ص1126 وسنن أبي داود ج2 ص213 والمصنف للصنعاني ج9 ص226 وتيسير الوصول ج1 ص275، ومجمع الزوائد ج5 ص64 و66 و67 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص44 والبداية والنهاية ج5 ص331.

([12]) صحيح البخاري ج3 ص71 ومسند الإمام أحمد ج1 ص326 وسنن ابن ماجة ج2 ص1335 وتأويل مختلف الحديث ص97 وصحيح مسلم ج7 ص98 والهدى إلى دين المصطفى ج1 ص79 وج 2 ص91.

([13]) كشف الأستار عن مسند البزار ج1 ص485 و484 ومجمع الزوائد ج3 ص176 و175 وج 7 ص348.

([14]) الدر المنثور ج5 ص150 عن ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن قانع، وراجع: مناهـل العرفان ج1 ص360 عن البخاري، ومسلم. وراجع: حول نسيانه «صلى الله عليه وآله» بعض الآيات في كنز العمال ج1 ص538.

([15]) المعجم الصغير ج2 ص16. وراجع: ج1 ص130 حول نسيانه بعض الأسماء.

([16]) كشف الغمة للإربلي ج2 ص352 عن دلائل الحميري، والكافي ج8 ص395 وتيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب ص108 وقاموس الرجال ج4 ص270.

 

 المصدر: موقع الميزان للمحقق السيد جعفر مرتضى العاملي