مفهوم الرزق في القرآن الكريم

                                     بسم الله الرحمن الرحيم

            والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين:

إن مفهوم الرزق واسع وله إرتباط في الحياة الدنيا بشكل أساسي وضروري،و الرازق والرزّاق هي من صفات الله سبحانه وتعالى لأنه خلق الخلق وتكفل بأرزاقهم وإيصالها إليهم فقد قال تعالى في كتابه العزيز :((وما مِنْ دابّة في الأرْضِ الاّ عَلى الله رِزْقُها((ولابد لنا أن نعرف بأن الله سبحانه وتعالى يرزق الخلق أجمعين بدون استثناء مادام فيهم حياة ، لكن من المعلوم بأن الرزق يجب الإجتهاد في تحصيله من قبل الإنسان لاأن يتقاعس على أمل أن ياتيه الرزق .

وقد أشار القرآن الكريم في بعض آياته لهذه الحقيقة:

قال تعالى:

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ }﴿٣٢ الأعراف﴾

{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ }﴿٢٦ الرعد﴾

{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} ﴿٧١ النحل﴾

{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ }﴿٣٠ الإسراء﴾

{وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} ﴿٨٢ القصص﴾

{فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} ﴿١٧ العنكبوت﴾

{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} ﴿٦٢ العنكبوت﴾

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِر}ُ ﴿٣٧ الروم﴾

{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ }﴿٣٦ سبإ﴾

{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} ﴿٣٩ سبإ﴾

{أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} ﴿٥٢ الزمر﴾

{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِر}ُ ﴿١٢ الشورى﴾

{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} ﴿٢٧ الشورى﴾

{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ﴿٣ البقرة﴾

{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} ﴿٢٢ البقرة﴾

{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} ﴿٢٥ البقرة﴾

{قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} ﴿٢٥ البقرة﴾

{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} ﴿٢٥ البقرة﴾

{وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ﴿٥٧ البقرة﴾

{كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ} ﴿٦٠ البقرة﴾

{رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} ﴿١٢٦ البقرة﴾

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ }﴿١٧٢ البقرة﴾

{وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ﴿٢١٢ البقرة﴾

{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ﴿٢٣٣ البقرة﴾

{أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيه}ِ ﴿٢٥٤ البقرة﴾

                                         ماذا تعنی مفردة «الرزق»؟

الرزق في اللغة العطاء المستمر والدائم، وهو أعم من أن یکون رزقاً مادیّاً أو معنویاً... فعلى هذا کل ما یکون فیه نصیب للعباد من قبل الله وینتفعون منه ـ من مواد غذائیة ومسکن وملبس أو علم وعقل وفهم وإیمان وإخلاص ـ یسمى رزقاً، ومن ظنّ أن مفهوم الرزق خاص بالجوانب المادّیة لم یلتفت إلى موارد استعماله فی القرآن الکریم بدقة... فالقرآن یتحدث عن الشهداء فی سبیل الله بأنّهم... (أحیاء عند ربّهم یرزقون) آل عمران، 169.

وواضح أنّ رزق الشهداء ـ فی عالم البرزخ ـ لیس نعماً مادیة، بل هو عبارة عن المواهب المعنویة التی یصعب علینا تصوّرها فی هذه الحیاة المادیة.الأمثل، ج 6، ص18

إذن«الرزق»: هو العطاء المستمر، ومن هنا كان عطاء الله سبحانه المستمر للموجودات رزقاً. وينبغي الإِلتفات إِلى أن مفهوم الرزق غير منحصر في الحاجات المادية، بل يشمل كل عطاء ماديّ أو معنوي. ولذلك نقول مثلا: «اللّهم ارزقني علماً كاملا» أو نقول: «اللّهم ارزقني الشهادة في سبيلك».

والظاهر أنّ المراد من الرزق في هذه الآية الرزق المادي، ولكن إِرادة المفهوم العام الذي يندرج تحته الرزق المعنوي غير بعيد ..

ـ «المستقر» ـ في الأصل ـ تعني المقّر، لأن جذر هذه الكلمة في اللغة مأخوذ من «قرّ» على وزن «حرّ» وتعني كلمة القرّ البرد الشديد الذي يجعل الإِنسان والموجودات الأُخرى يركنون إِلى بيوتهم، ومن هنا جاءت بمعنى التوقف والسكون أيضاً.

و «المستودع» و «الوديعة» من مادة واحدة، وهاتان الكلمتان في الأصل تعنيان «اطلاق الشيء وتركه» ولذلك تطلق عليه الأُمور غير الثابتة التي ترجع إِلى حالتها الطبيعية، فُيطلق على كل أمر غير ثابت «مستودع» وبسبب رجوع الشيء إِلى صاحبه الأصلي وتركه محله الذي هو فيه يسمى ذلك الشيء «وديعة» أيضاً.

فالآية أنفة الذكر تقول: لا ينبغي التصور أن الله سبحانه يرزق الدواب التي تستقر في أماكنها فحسب، بل هي حيث ماكانت وفي أي ظرف من الظروف تكون فإِنّه تعالى يوصل إِليها أرزاقها، لأنّه يعلم أماكن استقرارها..

                                   تقسيم الأرزاق والسعي من أجل الحياة

من حكمة الله سبحانه وحسن تدبيره  أن جعل الإختلاف بين العباد وهذا الجعل التكويني كما يسميه المفسرون  لولاه لما كانت هناك استمرارية في الحياة لأنه لايمكن أن يكون البشر على وتيرة واحدة فكما أنه جعل الإختلاف بينهم في الألسنة والألوان قال تعالى: ((ومن آيا ته إختلاف ألسنتكم وألوانكم) كذلك كان الإختلاف في العقول البشرية لتستقيم بهم الحياة ولو كانو كلهم على ذكاء واحد دون تفاوت لما استمرت بهم الحياة فكل واحد يحتاج للآخر دون تمييز بينهم وفي هذا الصدد يقول الشاعر:

الناس ُللناسِ بعضهم لبعض وإن لم يشعروا خدمُ

وهذه حقيقة لامفرمنها فلو كان المجتمع البشري مثلا كلهم يعملون في مجال الطب فمن أين يأكلون إذا لم يكن هناك فلاح يزرع الأرض وهكذا في باقي الأعمال لذا اقتضت الحكمة الإلهية التفاوت والإختلاف بين البشر.

وهناك أبحاث مهمّة في مسألة «الرزق»، ونأخذ بنظر الإِعتبار ـ هنا ـ قسماً منها:  ـ «الرزق» ـ كما قلنا آنفاً ـ يعني في اللغة العطاء المستمر والدائم، وهو أعم من أن يكون رزقاً ماديّاً أو معنوياً .. فعلى هذا كل ما يكون فيه نصيب للعباد من قبل الله سبحانه وينتفعون منه ـ من مواد غذائية ومسكن وملبس أو علم وعقل وفهم وإِيمان وإِخلاص ـ يسمى رزقاً، ومن ظنّ أن مفهوم الرزق خاص بالجوانب المادّية لم يلتفت إِلى موارد استعماله في القرآن الكريم بدقة .. فالقرآن يتحدث عن الشهداء في سبيل الله بأنّهم .. (أحياء عند ربّهم يرزقون) سورة آل عمران، 169

وواضح أن رزق الشهداء ـ في عالم البرزخ ـ ليس نعمّا مادية، بل هو عبارة عن المواهب المعنوية التي يصعب علينا تصوّرها في هذه الحياة المادية.

مسأله تأمين الحاجات بالنسبة للموجودات الحية ـ وبتعبير آخر تأمين رزقها ـ من المسائل المثيرة التي تنكشف أسرارها بمرور الزمان وتَقدُّم العلم .. وتظهر كل يوم ميادين جديدة تدعو للتعجب والدهشة.

كان العلماء في الماضي يتساءلون فيما لو كان في أعماق البحار موجودات حيّة، فمن أين يتم تأمين غذائها؟! إِذْ أنّ أصل الغذاء يعود إِلى النباتات والحشائش، وهي تحتاج إِلى نور الشمس، ولكن على عمق 700 متر فصاعداً لا وجود لنور الشمس أبداً، بل ليل أبدي مظلم يلقي ظلاله ويبسط أسداله هناك.

ولكن اتّضح بتقدم العلم أن نور الشمس يُغذّي النباتات المجهرية في سطح الماء وبين الأمواج، وحين تبلغ مرحلة النضج تهبط إِلى أعماق البحر كالفاكهة الناضجة، وتنظم إلى الأرزاق الإلهية للأحياء في تلك الأعماق، مائدة نعمة الله للموجودات الحية تحت الماء !

ومن جهة أُخرى فهناك طيور كثيرة تتغذى من أسماك البحر، منها طيور تطير في الليل وتهبط الى البحر كالغواص الماهر وعن طريق أمواج رادارية خاصّة تخرج من آنافها تعرف صيدها وتصطاده بمنقارها.

ورزق بعض أنواع الطيور يكون مُدّخراً بين ثنايا أسنان حيوانات بحرية كبيرة هذا النوع من الحيوانات بعد أن يتغذى من حيوانات البحر، تحتاج أسنانه إِلى «منظف طبيعي» فيأتي إِلى ساحل البحر ويفتح فمه الواسع فتدخل هذه الطيور التي أُدّخر رزقها في فم هذا الحيوان الضخم ـ دون وحشة ولا اضطراب ـ وتبحث عن رزقها بين ثنايا أسنان هذا الحيوان الكبير، فتملأ بطونها من جهة، وتريح الحيوان الذي تزدحم بين أسنانه «هذه الفضلات» من جهة أُخرى .. وحين تخرج الطيور وتطير في الفضاء يطبق هذا الحيوان البحري فمه بكل هدوء ويعود إِلى طريقة إِيصال الرزق من الله تعالى إِلى الموجودات المختلفة مذهلة ومحيرة حقّاً. من الجنين الذي يعيش في بطن أُمّه ولا يعلم أحد أسراره شيئاً، إِلى الحشرات المختلفة التي تعيش في طيّات الأرض، وفي الأشجار وعلى قمم الجبال أو في أعماق البحر، وفي الأصداف .. جميع هذه الموجودات يتكفل الله برزقها ولا تخفي على علمه، وكما يقول القرآن (... على الله رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها).

ـ في الآيات المتقدمة ـ التي هي محل البحث ـ إِشارة إِلى «الرزق» فحسب، وبعدها ببضعة آيات يأتي التعبير عن التائبين والمؤمنين ويشار فيها إِلى «المتاع الحسن».

وبالموازنة والمقارنة بين هذين الأمرين يدلنا هذا الموضوع على أن الرزق معدّ لكل دابة من إنس وحشرات وحيوانات مفترسة ... الخ. وللمحسنين والمسيئين جميعاً! ... إِلاّ أن «المتاع الحسن» والمواهب الجديرة والثمينة خاصّة بالمؤمنين الذين يطهرون أنفسهم من كل ذنب وتلوّث بماء التوبة، ويتمتعون بنعم الله في مسير طاعته، لا في طريق الهوى والهوس!

والحمد لله رب العالمين

وكالة ق للأخبار القرآنية العالمية