اختصاص الشيعة في التمسك بالقرآن الكريم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين عجل الله تعالى فرجه الشريف .

قال سبحانه وتعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء وَهُدَىً وَرَحْمَةً وبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) 1.
تؤمن شتّى الفرق الإسلاميّة بأنّ القرآن هو الكتاب السماوي والدستور الحاكم على الشريعة، ولهذا ينتهج الجميع من هذا المنطلق سبيل العمل وفق أُسسه وتعاليمه.
وأمّا بالنسبة إلى بحثنا المعنون بـ «اختصاص الشيعة في التمسّك بالقرآن الكريم»، فانه يمتاز من هذه الناحية، إذ تتجلّى فيه أحقيّة الفرقة الناجية والمتمسّكة بالقرآن بين المذاهب الإسلاميّة الأُخرى .
وممّا لا شك فيه أنّنا نجد كلّ مذهب يتمتّع برؤى وعقائد يتفرّد بها ويسير وفقها، مع حُسبانه أنه الحائز للمكانة الرفيعة بين الفرق، وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة بقوله تعالى : (كُلُّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(2) .
ومن الواضح أنّ المرء يفرح بما لديه ويطمئن بمذهبه مالم يتضح له بطلان ماهو عليه، ولكن حينما يعي الضمير المتيقظ والعقل السليم فساد مذهبه، وعندما يستبصر المرء ليعتنق مذهباً آخر بعد التعقّل والتأمّل، حينئذ يدرك المرء أنّه كان مخدوعاً بسراب كان يمنعه ويعيقه من التوجه نحو النبع حينما كان يبحث عن منهل يروي تعطّشه، ويدرك أنّه كان يتخبّط في حركته تائهاً حيراناً.
إن القرآن الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)يمتاز بمكانة ومركزيّة رفيعة، ويمتلك شموليّة تامّة، يتمكّن بها أن يحيط بكافة الحقائق ويسعه أن يكون هادياً للبشريّة كافة، إذ تتمكّن كلّ طائفة وأُمّة أن تنتفع منه وأن تحمل منه زاداً لحركتها في الحياة.
وممّا يثير الانتباه في المسلمين أنّهم مع كلّ ما يمتلكون من الثروة الثقافيّة والعلميّة الطائلة التي تلقوها من القرآن والتعاليم الزاهرة والمشرقة لهذا الدين، فإنهم لم يفكروا باستخدامها كما هو المطلوب، أو أنهم قلَّ ما انتفعوا منها لتلقي واستيعاب الحقائق والشؤون الضرورية للحياة الدينيّة.
وفي الحقيقة فإنّ المسلمين قلّما استعانوا بكتاب الله عزّ وجلّ وقلَّما نهلوا منهج الحياة من هذا الركن السديد وهذا المنهج الرباني الخالد.
وفي هذا الخضم نجد أعداء الإسلام بعدما اعترتهم الخيبة واليأس من محاربة الدين الإسلامي الحنيف وكتاب الله عزّ وجل، حاولوا تجربة سبل متعدّدة واحدة تلو الأُخرى للاطاحة بالإسلام، فالتجؤوا إلى توسيع نطاق الإختراق والاقتحام في أوساط المجتمعات الإسلامية والإندساس فيما بينهم ليشغلوا المسلمين بمختلف الوسائل المتاحة بأُمور وقضايا واهية وغير مثمرة لا جدوى فيها.
لكن علماء المذاهب الإسلامية بادروا على ضوء سعة مستواهم الفكري وممتلكاتهم العلمية وعلى أساس مرتكزاتهم الإعتقادية وتمشّياً مع مبانيهم المذهبية، إلى تأدية مهمّتهم بإعداد أبحاث مختلفة في شتى مجالات العلوم القرآنية وبيان فضائله وإيضاح أحكامه المشرقة التي تعتبر ركناً أساسياً في تشريع الاحكام.
وكما يستفاد من آراء ونظريات ذوي الاختصاص في شتّى مجالات الفروع العلميّة، انتقى علماء الدين وكبار الفضلاء ممّا قدّم الأوائل وبيّنوا ما توصلوا إليه بأُطر صالحة وأوعية متناسبة.
وتزامناً مع ازدياد وتعدّد المدارس الكلامية نشأ النزاع والتشاحن حول الايات القرآنية، واندلعت مشاجرات لفظيّة، تبعها التكفير، وأُصدرت أحكام وفتاوى ثقيلة من قبل أحدهم على الاخر، وتخاصم أصحاب الرأي والاجتهاد مع أهل الحديث، وتعرّض مذهب الاعتزال للاشاعرة، ونشأ اشتباك وتصادم فكري عنيف من قبل أهل الحجاز مع مفكري بغداد، وكلاهما مع أهل البصرة، وتصدى هؤلاء الثلاثة لمخالفة مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
وأدّى ذلك لينكب كلّ منهم على مجموعة من الاراء والمعتقدات، يعول عليها ولا يتجاوزها إلى غيرها.
ووقفت الانظمة السياسيّة الحاكمة في القرن الاول والثاني والثالث وقوفاً تاماً إلى جانب هذه التكتلات المتسمة بالطابع العلمي، والتي كانت السبب الأساسي لنشوء معظم المشاجرات والخصومات الكلامية في تلك الفترة، فكانت تحفزهم وتحرضهم على ذلك.
ولا تزال وبعد مضي القرون المتمادية مسألة إيقاد النزاع والخلاف والمشاجرات في أوساط المسلمين عبر إثارة القضايا المبهمة والمشكوكة التي تمهّد الارضيّة لوقوع التفرقة بين الناس والتي تركت آثارها المرّة على المجتمع الاسلامي، كما وأنها سلبت منهم التعايش السلمي والترابط الأخوي الذي دعى إليه حجج الله وسفراء العدالة والصدق في ظل مناهجهم السماوية السامية التي جاؤوا بها إلى البشرية.
وفي خضم هذه الصراعات والآراء المتضاربة والمختلفة التي طرحت في المائة الأخيرة كانت الأنظار متوجهة إلى فئتين قد انشغلتا بالمشاجرات العقائدية أكثر من الفئات الاُخرى، والملحوظ أنهما قد تركتا آثاراً متعددة تعبّر عن معتقداتها المذهبيّة.
وممّا لا شك فيه أن الانشغال الذهني بالأٌمور والقضايا الهامشيّة يعتبر أفضل فرصة للذين يستهدفون الوصول إلى غاياتهم ومآربهم الخاصة، ليتمكنوا من خلالها أن يحققوا مبتغياتهم بصورة كاملة.
والجدير ذكره في هذا المقام أن الطوائف والفرق المخالفة للمذهب الامامي قد روّجت الافتراءات والتهم الباطلة بأشكال مختلفة وبشتى الوسائل والادعاءات على أتباع هذا المذهب، وأثاروا مسألة الدفاع عن القرآن والذب عنه، بغية الوصول إلى دعم حججهم وماهم عليه، للتظاهر بأنهم هم المتفردون بدعم ونصرة القرآن الكريم.
____________
(1) النحل : 89.
(2) المؤمنون : 53.

 المصدر: موقع مؤسسة السبطين العالمية