وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا

                               

   قضت حكمة الله عز وجل أن يعطي النبوة لثلاثة أنبياء وهم أطفال ، وهم سليمان(ع) وكان عمره عشر سنين، وعيسى(ع) أعطي النبوة وهو في المهد ، ويحيى(ع) أعطي النبوة وهو صبي !

  كما أعطى الله الإمامة لثلاثة أوصياء وهم أطفال ، وأولهم الإمام الجواد(ع) ، وكان عمره سبع سنوات ، وابنه الإمام الهادي(ع) وكان عمره نحو سبع سنوات أيضاً . والإمام المهدي ، وكان عمره عند شهادة أبيه(ع) خمس سنوات .

 وقد ثبتت هذه المنقبة لعلي(ع) ، لأن النبي(ص) دعاه الى الإسلام قبل بلوغه ، ولم يدع صبياً  غيره ، بل لا تصح دعوة الصبيان ، فدل ذلك على أنه كبير .

  كما ثبت ذلك للحسن والحسين(ع) لأن النبي(ص) بايعهما على الإسلام وهما صبيان ، ولم يبايع صبياً غيرهما وغير أبيهما .

 لكن كلامنا فيمن كان حجةً وحده ، وقد كان علي والحسنان في ظل النبي(ص) .

  روى في الكافي (1/382) بسند صحيح ، عن يزيد الكناسي قال:(سألت أبا جعفر (ع) أكان عيسى بن مريم(ع) حين تكلم في المهد حجة لله على أهل زمانه؟ فقال: كان يومئذ نبياً حجة لله غير مرسل . أما تسمع لقوله حين قال: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا. وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلاةِ وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيًّا .قلت: فكان يومئذ حجة لله على زكريا في تلك الحال وهو في المهد؟ فقال: كان عيسى في تلك الحال آية للناس ورحمة من الله لمريم حين تكلم فعبَّر عنها ، وكان نبياً حجة على من سمع كلامه في تلك الحال ، ثم صمت فلم يتكلم حتى مضت له سنتان . وكان زكريا(ع) الحجة لله عز وجل على الناس بعد صمت عيسى بسنتين . ثم مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير، أما تسمع لقوله عز وجل: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا . فلما بلغ عيسى(ع) سبع سنين تكلم بالنبوة والرسالة ، حين أوحى الله تعالى إليه ، فكان عيسى الحجة على يحيى وعلى الناس أجمعين .

  وليس تبقى الأرض يا أبا خالد يوماً واحداً بغير حجة لله على الناس ، منذ يوم خلق الله آدم (ع) وأسكنه الأرض .

  فقلت: جعلت فداك أكان علي(ع) حجة من الله ورسوله على هذه الأمة في حياة رسول الله(ص) ؟ فقال: نعم يوم أقامه للناس ونصبه علماً ودعاهم إلى ولايته وأمرهم بطاعته .قلت: وكانت طاعة علي(ع) واجبة على الناس في حياة رسول الله(ص) وبعد وفاته ؟ فقال: نعم ولكنه صمت فلم يتكلم مع رسول الله(ص) ، وكانت الطاعة لرسول الله(ص) على أمته وعلى علي(ع) في حياة رسول الله(ص) ، وكانت الطاعة من الله ومن رسوله(ص) على الناس كلهم لعلي(ع) بعد وفاة رسول الله(ص) . وكان علي(ع) حكيماً عالماً ).

  وفي الصراط المستقيم (1/330) في قوله تعالى: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاً آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا: (وقد كان حينئذ ابن أحد عشر سنة).

  وفي المختصر لأبي الفداء (1/25): (ولما صار لداود سبعون سنة توفي.. وأوصى داود قبل موته بالملك إلى سليمان ولده ، وأوصاه بعمارة بيت المقدس ، فلما مات داود ملك سليمان ، وعمره اثنتا عشرة سنة ).

  وفي قصص الأنبياء للراوندي/269، بسند صحيح ، أن الإمام الصادق(ع) سئل:   (هل كان عيسى يصيبه ما يصيب ولد آدم ؟ قال: نعم . ولقد كان يصيبه وجع الكبار في صغره ، ويصيبه وجع الصغار في كبره ويصيبه المرض ، وكان إذا مسَّه وجع الخاصرة في صغره وهو من علل الكبار ، قال لأمه: إبغي لي عسلاً وشونيزاً وزيتاً فَتَعَجَّنِي به ثم ائتيني به ، فأتته به فكرهه ، فتقول: لمَ تكرهه وقد طلبته ! فقال: هاتيه ، نعتُّهُ لك بعلم النبوة ، وكرهته لجزع الصبا ! ويشم الدواء ، ثم يشربه بعد ذلك .

  وعن الصادق(ع) : إن عيسى بن مريم(ع) كان يبكى بكاءً شديداً ، فلما أعيت مريم(ع) كثرة بكائه قال لها: خذي من لِحَاء هذه الشجرة فاجعليه وُجُوراً ، ثم اسقينيه ، فإذا سُقيّ بكى بكاءً شديداً ، فتقول مريم(ع) : أنت أمرتني! فيقول: يا أُمَّاهْ علم النبوة وضعف الصبا ) !

 وفي تفسير العياشي (1/174): (مكث عيسى(ع) حتى بلغ سبع سنين أو ثمان سنين ، فجعل يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، فأقام بين أظهرهم يحيى الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويعلمهم التوراة ، وأنزل الله عليه الإنجيل لما أراد الله عليهم حجة ) .

 وفي مكارم الأخلاق/448، عن ابن مسعود ، قال النبي(ص) : (وإن شئت نبأتك بأمر يحيى(ع) ، كان لباسه الليف ، وكان يأكل ورق الشجر .

  وإن شئت نبأتك بأمر عيسى بن مريم(ع) فهو العجب ، كان يقول: إدامي الجوع ، وشعاري الخوف ، ولباسي الصوف ، ودابتي رجلاي ، وسراجي بالليل القمر ، واصطلائي في الشتاء مشارق الشمس ، وفاكهتي وريحانتي بُقُول الأرض مما تأكل الوحوش والأنعام . أبيتُ وليس لي شئ ، وأصبح وليس لي شئ ، وليس على وجه الأرض أحد أغنى مني ) !

   وفي تفسير الإمام العسكري/661: (قال له الصبيان (ليحيى(ع) ): هلمَّ نلعب . فقال: أوه ، والله ما للعب خلقنا ، وإنما خلقنا للجد لأمر عظيم ).

 أقول: يدل ذلك على أن طفولة هؤلاء الأنبياء والأوصياء(ع) تختلف عن غيرهم ، ويكفي أنهم يعيشون مع الروح القدس الموكل بهم .

 وفي صحيح الكافي (1/311): (عن صفوان الجمال قال: سألت أبا عبد الله(ع)  عن صاحب هذا الأمر؟ فقال: إن صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب . وأقبل أبو الحسن موسى، وهو صغير ومعه عناق (سخلة) مكية وهو يقول لها: أسجدي لربك ! فأخذه أبو عبد الله(ع) وضمه إليه وقال: بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب ) .

   وقد تصور بعض الرواة الثقات أنه لا مانع أن يلعب الإمام الطفل كما يلعب الصبيان  ولذلك أخذ هدية للإمام الجواد(ع) فيها لعب فضية وغير فضية ! فكرهها الإمام(ع)  وأجابه بما أجاب به يحيى الصبيان الذين دعوه الى اللعب . وكان ذلك عند وفاة الإمام الرضا ، وعمر الإمام الجواد(ع)  يومها سبع سنوات .

   روى الطبري في دلائل الإمامة/402: (كان ممن خرج مع الجماعة علي بن حسان الواسطي المعروف بالعمش، قال: حملت معي إليه(ع) من الآلة التي للصبيان  بعضها من فضة ، وقلت: أُتحف مولاي أبا جعفر بها . فلما تفرق الناس عنه عن جواب لجميعهم ، قام فمضى إلى صريا واتبعته ، فلقيت موفقاً فقلت: إستأذن لي على أبي جعفر ، فدخلت فسلمت فرد عليَّ السلام وفي وجهه الكراهة، ولم يأمرني بالجلوس ، فدنوت منه وفرَّغت ما كان في كمي بين يديه ، فنظر إليَّ نظر مغضب ثم رمى يميناً وشمالاً ، ثم قال: ما لهذا خلقني الله ، ما أنا واللعب ! فاستعفيته فعفا عني ، فأخذتها فخرجت ) .

 

 المصدر: كتاب حياة الإمام الجواد عليه السلام