مَوْلِد القرآن النّاطِق

 

هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، أول سلسلة الأنوار الإلهية من الأئمة الأطهار. وُلد يوم الثالث عشر من شهر رجب من سنة ستمائة للميلاد أو خمسمائة وخمس وتسعين، وهذا وفقاً للرواية الواردة عن الإمام الصادق(ع) حيث قال: “إن فاطمة بنت أسد جاءت إلى أبي طالب تبشّره بمولد النبي(ص)، فقال لها: اصبري “سبتاً” أبشرك بمثله إلا النبوة”. والسبت على ما ورد تفسيره أنه يساوي ثلاثين سنة وخمساً وعشري(الكافي : 1 / 452 / 1 / 2)

بقي الإمام(ع) في رعاية والديه حتى سن الثامنة، وكان أبو طالب كثير العيال، وكان هناك شح في الموارد المالية، فلم يستطع القيام بإعالتهم، فاقترح النبي(ص) على عمّيه الحمزة والعباس أن يحملوا عنه بعضاً من معاناته، فأخذ العباس “طالباً” والحمزة “جعفراً” والنبي “علياً”. وقد كان أخذه له لحكمة إلهية بالغة، ولعلم النبي(ص) أن علياً سيكون وصيّه والخليفة من بعده وزوج ابنته الزهراء(ع) وأبا سبطيه عليهما السلام.

لذا نجد أن رسول الله(ص) تعهّد عليّاً(ع) بالرعاية والعناية والاهتمام والتوجيه والتعليم، حتى لم يكن هناك أحد في العالم يدرك حقائق هذا الكون إلا النبي(ص). وقد قال علي(ع) عن ذلك: “علّمني رسول الله ألف باب من العلم، يفتح لي من كل باب ألف باب”، وقال كذلك: “سلوني قبل أن تفقدوني(إحقاق الحق ج 7 ص 589)”

ومن أروع ما قال رسول الله(ص) في حق الإمام علي(ع): “يا علي، لولا أني أخشى أن تقول فيك فئة من الناس ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك مقالة لا تمر على أحد من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك(الكافي ، 8 / 57 / 18)

من هنا نجد أن كل من ينظر في سيرة علي(ع) من الموافقين والمخالفين، لم يستطع إلا أن يقف إجلالاً وإكباراً لتلك الشخصية الفذّة التي طبقت الإسلام بحذافيره ورفضت مغريات السلطة، لأنها رأت أن الوصول إليها سيكون على حساب نقاوة الإسلام وشفافيته. كما إن علياً(ع) كان المدافع والمحامي عن أحكام الإسلام وتصحيح سلوكيات الكثير من أهل الحكم والحل والعقد في المجتمع الإسلامي الأول، حيث كان الإسلام طريّ العود ولم يتمكن بعد في قلوب عموم المسلمين وعقولهم.

لذا لا نستغرب أبداً الأحاديث الكثيرة الواردة في حق علي(ع) على لسان النبي الأعظم محمد(ص) كقوله: “أنا مدينة العلم وعلي بابها”، أو “الحق مع علي وعلي مع الحق، يدور معه كيفما دار”، أو “يا علي، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي(إحقاق الحق ج 5 ص 489)”.

وما يؤكد صحة هذه الأحاديث هو حياة علي(ع) وسيرته منذ ولادته ونعومة أظفاره إلى لحظة استشهاده. فهو وليد الكعبة، لم يولد أحد قبله فيها ولن يولد أحد فيها بعده، ولهذه الولادة نفسها دلالات كثيرة ومهمة جداً، أبرزها أن هذا المولود لو لم يكن له شأن كبير ومقام عظيم عند الله لما تيسّر له أمر الولادة في بيت الله وحرمه وأمنه، وفي خاتمة حياته شهيد المحراب والصلاة في شهر الله شهر رمضان المبارك وفي ليلة القدر عظيمة الشأن.

فإنسان له تلك الولادة الميمونة والحياة المميزة والشهادة العظيمة لا شك في أنه إنسان مجتبى ، بمعنى انه الإنسان الكامل الذي جسّد في حياته كل معاني الإنسانية السامية والنبيلة من المنطلق الإلهي والربّاني.

فهو لم يعبد صنماً قط، ولم يسجد لوثن ابداً، بل عبد الله منذ نعومة أظفاره إلى جانب ابن عمه رسول الله(ص). وكان أول الناس إيماناً برسالة الإسلام المنزّلة على قلب النبي الخاتم(ص)… رافقه كظله ولم يتركه إلا عند النوم أو الحالات الطارئة والضرورية. وقد ورد عن علي(ع) ما يؤكّد حقيقة تعهّد النبي(ص) له بالرعاية فيقول: “وقد علمتم موضعي من رسول الله(ص)، بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره ويكنفي في فراشه، ويمسني جسده ويشمني عرفه… وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل… وكنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري… أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة… ولقد سمعت رنّة الشيطان، فقلت يا رسول الله، ما هذه الرنّة؟ فقال(ص): هذا الشيطان قد يئس من عبادته… إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي، ولكنك وزير “وصي وولي” وإنك لعلى خير(نهج البلاغة الخطبة 192)”.

إن هذا النص وحده يكشف عن المقام المعنوي السامي لأمير المؤمنين(ع)، الذي كان أعلم الناس وأفقه الناس وأتقى وأروع الناس بعد رسول الله(ص). وهذا ما دفع به لأن يكون فارس الإسلام الأول المستعد للجهاد والتضحية والشهادة، وما مبيته على فراش النبي(ص) يوم الهجرة من مكة إلى المدينة إلا مثال على ذلك الاستعداد دفاعاً عن الإسلام وفداءً له بقوله(ع) للنبي(ص): “أَوَتسْلَم يا رسول الله إن فديتك بنفسي؟”، فقال له (ص): “نعم”. ونزل بحقه بسبب هذا (ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضاة الله). روى الرازي في تفسير هذه الآية إضافة، وهي أن جبريل(ع) كان يقول: “بخ بخ، من مثلك يباهي الله به ملائكته؟!”.
فسلام عليك يا سيدنا يوم الولادة ويوم الشهادة ويوم البعث عند الله عزوجل

الکاتب: الشيخ عباس شحادي