تأملات في كتاب الله المجيد (نعم الله الظاهرة والباطنة)

قال الله تعالى: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) سورة لقمان ٣٠

فما المقصود بهذين الصنفين من النعم؟

قال الإمام الكاظم عليه السلام: (النعمة الظاهرة الإمام الظاهر، والباطنة الإمام الغائب) كمال الدين: 368 / 6.

وما ذكره الإمام هو من إبرز وأهم مصاديق هذين النوعين من النعم.

وبالتدبر والتأمل نكتشف، أن من نعمه الظاهرة، هي كل مانراه ونعرفه  من نعم الله في الوجود وفي أنفسنا، ونعمه الظاهرة لا تحصى، بل في كل نعمة من نعمه الظاهرة نعم لا تحصى بسبب تنوع وظائف تلك النعمة واستمرارها. فنعمة البصر فيها نعم كثيرة من خلال استمرارها في الزمان والمكان، ولحركة العين في الاتجاهات، وحفظ العين بالرموش والأجفان، إلى بهجة النظر المستمرة والمتنوعة، وإزدياد المعرفة بالقراءة والنظر، والتمييز بين الأشخاص والأمور. بل إن كل نظرة تعطينا إما راحة او تحذيراً او تأثراً او خشوعاً لله أو علماً او الخ... لذا قال بعض العلماء المفسرين، في قوله تعالى: (وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُور رَّحِیم) [سورة النحل 18] بمعنى أن كل نعمة من نعمه لا يمكن ان نحصي ما فيها من النعم.

النعم الباطنة

ومن نعمه الباطنة، هي حفظه لنا بما لا ندري ولا نعرف من الأمراض والحوادث التي يقينا الله شرها وأذاها بحفظه الغيبي الذي لا نعلم عنه شيئاً. فيد الغيب الإلهية تتدخل في أنفسنا وفي ما حولنا بلطف ورحمة لتنقذنا وتنجينا من المهلكات ولكن لا نعلم عن ذلك شيئاً.

فالله تعالى له آلائه ونعمه في عالم الشهادة وهو عالم الحضور والظهور الذي يطلع عليه البشر، وله نعمه الكبرى في عالم الغيب والباطن.

(عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ)

[سورة التغابن 18]

ومن نعمه الباطنة كل ما بطن وغاب عنا من نعم ومن ذلك نعم ما هو آت في قادم الايام، وما اعده للصالحين في الجنان، كله من نعمه الباطنة المخفية عنا.

إن استذكار نعم الله، وشكره وحمده عليها هي من أولى الواجبات نحو الله تعالى، ولذا فإن أول آية بعد البسملة في أشرف سور الله وهي الفاتحة بدأها الله بقوله الحمد لله رب العالمين.

وإن دعاء الافتتاح المبارك هو من خيرة الادعية التي تذكرنا بنعم الله وحمده علينا. ومما جاء في احدى فقراته:

الحَمْدُ للهِ الفاشِي فِي الخَلْقِ أَمْرُهُ وَحَمْدُهُ، الظاهِرِ بالكَرَمِ مَجْدُهُ، الباسِطِ بالجُودِ يَدَهُ، الَّذِي لاتَنْقُصُ خَزائِنُهُ، وَلايَزِيدُهُ كَثرَةُ العَطاءِ إِلاّ جُوداً وَكَرَما، إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الوَهَّابُ.

السيد جعفر العلوي